كن مصلحاً
2022-02-20بسم الله الرحمن الرحيم
كن مصلحاً
إن الله خلق الكون بما فيه في نظام مُحكمٍ دقيق، متكاملٍ صالح للإعمار، وجعله بما فيه مسخَّرا للإنسان الذي هو خليفة الله في أرضه، وأمره بالإصلاح في الأرض، وحذَّره من الإفساد فيها، وصدِّ الناس عن دين الله، وحثَّه على التأمل في مصير الظالمين المفسدين، الذين تجاوزوا قوانين الله في كونه، ونهاه عن سلوك طريق الذين طغوا في البلاد، وأكثروا فيها الفساد، حتى صبَّ عليهم ربهم سوط عذاب، حيث كان لهم بالمرصاد، فقال جل شأنه: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، ذلك خير لكم ُإن كنتم مؤمنين، ولا تقعدوا بكل صراط تُوعدون وتصدون عن سبيل الله من ءامن به وتَبغُونها عوجا، واذكروا إذ كنتم قليلا فكثَّركُم، وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين}
الإصلاح من المنظور الإسلامي باختصار هو: “تصويب ما اعوج في ممارسة أمور الدين والدنيا، والعودة بها إلى الأصل الذي لم يلحقه فساد الزوائد والمحدثات”.وهو التغيير إلى الأفضل، والصلاح ضد الفساد، والإصلاح ضد الإفساد.
الأنبياء والمرسلون قدوة المصلحين
إن الله جلت قدرته اختار خير َالناس وأزكاهم لإصلاح شؤون العباد الروحية والنفسية والدنيوية والأخروية، وهم الأنبياء والرسل، السادة الصالحون المصلحون، حيث بُعثوا ببرنامج شامل الإصلاح، فقادوا سفينة الإصلاح بحكمة وسلام مبشرين ومنذرين، وقاموا بواجبهم أحسن قيام، وطهَّروا الأرض من الفساد والظلم والإجرام، وحولوها إلى مجتمعات رحمة وأخوة وسلام، ولقد عُرفت الرسالات السماوية بأنها رسالات إصلاحية، قال سيدنا شعيب عليه السلام- وهو من سلسلة المرسَلين المصلحين- لقومه: { إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب}2 ، وهو الذي قال لقومه: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} ، وقال سيدنا موسى لأخيه هارون عليهما السلام لما ذهب إلى الطور: {اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين}
العلماء والدعاة خلفاء الرسل في الإصلاح
وبعد ذهاب الرسل قام بمهمة الإصلاح وقمْعِ الفساد ورثَتُهم الأوفياء العلماء والدعاة والأولياء، حيث اقتفَوْا سبيل الرسل وما بدلوا تبديلا، فها هم قوم قارون الصالحون جعلوا ينصحونه لمَّا طغى وبغى قائلين له:{ وابتغ فيما ءاتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك، ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين} 4 ، ولقد تصدَّى رجال الإصلاح الأوفياء عبر التاريخ للمفسدين وقطعوا الطريق عليهم، ووقفوا في وجوههم لئلا ينتشر الفساد وتَعُمَّ أضراره وتصابَ الدنيا كلها بويلاته، قال الله عز وجل: {ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}5 .
ولما طال العهد بالناس، وابتعدوا عن زمن الرسالات والرسل، ضَعُف الإيمان وبليَ في القلوب واندثر من أخرى، وفترت الهمم، وضعفت الإرادات، ومالت الأفئدة إلى الشر، وسقطت النفوس في المنكرات، فكثُرت الفواحش والرذائل بكل أنواعها، وفسدت أحوال الأمة عبر القرون، وقلَّ المصلحون حتى تحكَّم المفسدون في أزِمَّة الأمور، وأرادوها حياة فاسدة كاسدة، واكتفى من بقي فيهم الخير من هذه الأمة بإصلاح أحوال أنفسهم، فمالوا إلى الزوايا والتكايا والخلوات ومجالس الذكر والمجاهدة منقطعين إلى ربهم يشكون إليه فساد العباد ونكد الحياة.
إن أمتنا اليوم في أشد الحاجة إلى مصلحين صادقين أكفاء نزهاء أتقياء لهم حظ وافر من ميراث النبوة ليصلحوا أحوال الأمة ويغيروا واقعها المشهود إلى واقع منشود، ويُرجعوا عزها المفقود، عز الحضارة الإسلامية وأخلاقها وعدلها ورحمتها وإيمانها وشهودها، ويسعَوْا لتحقيق صلاح الإنسانية جمعاء، وإيصال دعوة الله إلى من يجهلها بالتي هي أحسن، والقيام بمهمة الخلافة في الأرض أحسن قيام، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، قال الله عز وجل: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}
والحمد لله رب العالمين
مدير عام الارشاد الديني
مقدم / شكري علي خاطر