منظمة التحرير الفلسطينية: ركيزة المشروع الوطني وضمانة التمثيل الشرعي بقيادة فخامة السيد الرئيس محمود عباس

بمناسبة تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية
منظمة التحرير الفلسطينية: ركيزة المشروع الوطني وضمانة التمثيل الشرعي بقيادة فخامة السيد الرئيس محمود عباس
كتب / اللواء أنور رجب
المفوض السياسي العام
الناطق الرسمي لقوى الأمن الفلسطيني
منذ تأسيسها عام 1964 بقرار من مؤتمر القمة العربي في القاهرة، شكلت منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف) نقطة ارتكاز للكفاح الوطني الفلسطيني، والإطار الجامع الذي وحّد مكونات الشعب الفلسطيني داخل الوطن وفي الشتات، لتكون الممثل الشرعي والوحيد لقضيتهم العادلة. وقد حملت المنظمة على عاتقها، طوال عقود من النضال، مهمة التعبير عن الإرادة الوطنية الفلسطينية وقيادة مسيرة التحرر بكل أشكالها: السياسية، والعسكرية، والدبلوماسية.
جاء تأسيس المنظمة كاستجابة ضرورية للفراغ السياسي الذي خلفته نكبة عام 1948، حيث شعر الفلسطينيون بالحاجة الماسة لكيان رسمي يعبر عن تطلعاتهم ويقود نضالهم التحرري. ومن خلال جهود المؤسس أحمد الشقيري، نشأت المنظمة على قاعدة الميثاق القومي الفلسطيني الذي رسّخ حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وتحرير أرضه.
وخلال مسيرتها، أظهرت منظمة التحرير قدرة استراتيجية على التكيّف مع متغيرات الواقع السياسي دون التخلي عن الثوابت، فكان "البرنامج المرحلي" عام 1974 خطوة بارزة، حيث قبلت المنظمة بفكرة إقامة دولة فلسطينية على أي جزء محرر من الأرض، في إطار رؤية واقعية تراكم الإنجازات السياسية دون التفريط بالحقوق الوطنية. هذا التحول فتح الباب واسعًا أمام النشاط الدبلوماسي، ورسّخ حضور القضية الفلسطينية على الساحة الدولية.
ولم تكن المنظمة مجرد مظلة سياسية، بل شكلت بنية متكاملة ضمت الفصائل الوطنية وفي مقدمتها حركة "فتح"، إلى جانب مؤسسات ثقافية واجتماعية وإعلامية، مثلت الفلسطينيين على كافة المستويات. ومن خلال المجلس الوطني واللجنة التنفيذية، حافظت على شرعية التمثيل الوطني، حتى باتت العنوان السياسي الوحيد المعترف به دوليًا للشعب الفلسطيني.
وقد توج هذا الدور التاريخي بإجماع عربي في قمة الرباط عام 1974، التي أعلنت منظمة التحرير ممثلاً شرعياً وحيداً للفلسطينيين، وتوالى بعدها الاعتراف الأممي، ليُترجم ذلك بحصول المنظمة على صفة عضو مراقب في الأمم المتحدة.
في هذا السياق، تبرز القيادة الحكيمة لفخامة السيد الرئيس محمود عباس "أبو مازن" كعامل أساسي في الحفاظ على كينونة المنظمة ومكانتها الشرعية، رغم التحديات الجسام التي واجهتها وتواجهها. لقد عمل الرئيس عباس، برؤية سياسية عميقة وثبات وطني لا يتزعزع، على حماية منظمة التحرير من محاولات التهميش أو الإلغاء، مؤكدًا في كل المحافل الدولية أن لا بديل عنها كمرجعية وحيدة للشعب الفلسطيني.
وقد تجلى ذلك في تصديه لمحاولات فرض بدائل مشبوهة أو الالتفاف على شرعية المنظمة، كونها تمثل الكيانية المعنوية لشعبنا الفلسطيني، إلى جانب حرصه على إبقائها إطاراً جامعاً لكل القوى الوطنية، وداعماً للوحدة الوطنية في مواجهة الانقسام والتفكك.
وفي ظل التحديات الجسيمة التي تواجه المشروع الوطني الفلسطيني، وخاصة بعد الانقلاب الذي وقع في قطاع غزة عام 2007 وما تبعه من انقسام ومآسي، ظهرت محاولات من بعض التنظيمات المرتبطة بأجندات لا وطنية أو بمحاور إقليمية خارجة عن الإرادة الفلسطينية.
وانطلاقًا من حرص فخامة السيد الرئيس محمود عباس على حماية القرار الوطني المستقل، والحفاظ على وحدة النضال الوطني الفلسطيني، فقد أكد مرارًا على مجموعة من الأسس الواضحة التي يجب أن يلتزم بها أي تنظيم فلسطيني يود الدخول في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وهي:
1- الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني.
2- الالتزام بالبرنامج السياسي لمنظمة التحرير، الذي يقوم على النضال السياسي والدبلوماسي لنيل الحقوق الوطنية الفلسطينية، بما في ذلك قيام دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
3- القبول بالشرعية الدولية وقراراتها، بما يشمل الالتزام بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ورفض اللجوء إلى العنف كوسيلة لتحقيق الأهداف السياسية.
4- احترام التزامات منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية، بما في ذلك الاتفاقيات الدولية التي وقّعت باسم الشعب الفلسطيني.
5- نبذ الإرهاب والتطرف والتدخلات الإقليمية، ورفض أي ارتباط بأجندات خارجية تضر بالمصلحة الوطنية الفلسطينية.
6- القبول بمبدأ التداول السلمي للسلطة والديمقراطية والتعددية السياسية، والمشاركة في الانتخابات العامة في إطار التوافق الوطني.
7- العمل من داخل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية والاندماج في هياكلها الرسمية (كاللجنة التنفيذية والمجلس الوطني).
هذه الأسس ليست شروطًا تعجيزية، بل تمثل الحد الأدنى من الالتزام الوطني الجامع، وهي ضرورية لحماية المشروع الوطني الفلسطيني من محاولات التصفية أو التبعية، ولضمان تمثيل حقيقي وموحد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده.
إن محاولات تهميش المنظمة أو المساس بدورها لن تكون مجرد خطوات إدارية، بل تهديد مباشر للمشروع الوطني الفلسطيني، وتمهيداً لتفكيك وحدة الصف وتغييب القضية عن الأجندة الإقليمية والدولية. فغياب المرجعية الجامعة التي تمثل الفلسطينيين جميعًا سيؤدي إلى تعميق الانقسام وإضعاف الموقف الفلسطيني في المحافل الدولية وأي مسارات سياسية قادمة.
من هنا، فإن الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية يمثل ضرورة استراتيجية، لا باعتبارها موروثاً تاريخياً فحسب، بل كمرتكز حيوي لمستقبل الكفاح الوطني الفلسطيني، وضمانة لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وفي ظل التحديات الراهنة، يبقى رهان الشعب الفلسطيني على قيادته، وفي مقدمتها فخامة السيد الرئيس محمود عباس حفظه الله ورعاه، الذي يؤمن بأن وحدة التمثيل الوطني هي شرط أساسي لأي إنجاز سياسي. لقد كان وما زال صوته واضحاً: منظمة التحرير باقية، وهي العنوان، وهي البيت الجامع، وهي الطريق إلى الدولة والحرية والاستقلال.