"مصالحه أم إنهاء للانقسام" ... اعداد عقيد / محمود عبدالرحمن
2017-12-04"مصالحه أم إنهاء للانقسام"
التغيرات الإقليمية والتوجهات الدولية وأثرها على إنهاء الانقسام
هيئة التوجيه السياسي والوطني / الإدارة العامة للتدريب
عقيد / محمود عبدالرحمن
(الحلقة الاولى)
مقدمة :
حصل الانقسام الفلسطيني بعد عدة أحداث دموية متقطعة بدأت عام 2006 في المحافظات الجنوبية، وهو قطاع غزة، وقد استطاعت حركة المقاومة الإسلامية – حماس –فرض سيطرتها على المقرات الأمنية في القطاع بقوة السلاح بتاريخ 16/6/2007.
كان خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس مقيما خارج فلسطين، في حين كان إسماعيل هنية مسؤولا عن قيادة الحركة في قطاع غزة، وهو المكلف برئاسة الحكومة الفلسطينية التي أقالها الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، كونه تورط بالحسم العسكري للسيطرة على القطاع، فلم تمتثل الحكومة وقامت بإصدار عدة قوانين وقرارات لا تتوافق مع الحالة القانونية السائدة للسلطة الفلسطينية، فترسخ الانقسام على المستوى العسكري الميداني وعلى المستوى القانوني وعلى المستوى السياسي.
وقد فشلت عدة محاولات للتقارب وفض النزاع، وتدخلت فيها عدة جهات محلية وعربية وإقليمية، وبقي الحال لغاية صدور بيان رسمي من حركة حماس تعلن فيه قبولها بالمبادرة المصرية في 17/9/2017، وفعلا ذهب وزراء حكومة التوافق برئاسة رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمد الله إلى القطاع بتاريخ 3/10/2017 في زيارة برتوكولية يعلن فيها عن بدء مرحلة جديدة لإنهاء الانقسام.
وفي ورشة عمل شارك فيها عدة ضباط من مختلف الأجهزة الأمنية عنوانها "الانقسام الفلسطيني"، تمت صياغة العنوان ليكون دراسة لأهم العوامل التي قد تكون أثرت في قبول إنهاء الانقسام، وما هي المصالح التي دفعت بالفصائل للمصالحة، وما هي عوامل القوة والضعف للاستمرار في تذليل العقبات.
وكان سؤال الورقة البحثية هو: هل التغيرات الإقليمية والتوجهات الدولية تدفع باتجاه إنهاء الانقسام، كمرحلة أولى للمصالحة ؟.
وهي دراسة تحليلية قامت على دراسات سابقة للواقع المحلي والإقليمي والدولي، التي أثرت بقبول إنهاء الانقسام من الفصيلين الرئيسين وإمكانية استمرارهم في المصالحة.
الموضوع:
في الاستعراض التاريخي لمسار الانقسام وخلفياته "السياسية" و "الفكرية" وأثر الحالة المحلية والإقليمية والدولية على التقارب بين حركتي فتح وحماس حالة من اللبس، من حيث طبيعة الأسباب ومن حيث الاستمرارية، ذلك أن الأسباب التي أفضت إلى الانقلاب لم تزول، كصلاحيات وتوجهات، فأول ما أطلق عليه بـ "الربيع العربي" حصل على الساحة الفلسطينية، ممثلاً بالانقسام، ليمتد إلى تونس مصر، ويأخذ أشكالا أكثر عنفا في كل من سوريا وليبيا واليمن.
ومن التساؤلات الأولية التي طرحناها في ورش مختلفة، ومستندة على دراسات مختصرة، أقرب إلى أوراق العمل، هي تساؤلات تميل إلى التشكك، منها: هل ما يحدث فعلا خطوات نحو إنهاء الانقسام دون الوصول إلى مصالحة، وما الأسباب التي دعت الفصيلين لقبول الورقة المصرية بعد أن كان عليها تحفظ، وهل التحول في حماس لإنهاء الانقسام جاء لأسباب موضوعية وبراغماتية، أم تكتيك لغايات غير واضحة للمحللين، أم أن القيادة الجديدة في حماس لديها القناعة التامة بالمصالحة، وما هو دور الفصائل الفلسطينية في هذا المتطلب، وهل هو متطلب وطني غايته الوحدة كشعب تحت الاحتلال، وما موقف الدول المؤثرة أو الفاعلة أو الصديقة من حالة التقارب بين الفصيلين؟، ويصعب في هذه الدراسة المختزلة الإجابة عن كل ما سبق، لذلك ستقتصر الورقة البحثية على الإجابة عن السؤال التالي :
هل تسعى حماس للمصالحة أم لإنهاء الانقسام فقط، مع أهمية أن يتنبه القارئ الى أننا لن نتعرض إلى النوايا المرتبطة بفكر حماس الذي يستند الى مبادئ الإخوان المسلمين.
أولا : العوامل الداخلية :
تتأثر العوامل الداخلية في نجاح المصالحة أو إنهاء الانقسام بقطبين متضادين، الفلسطيني والإسرائيلي،القطب الأول الفلسطينيون: ينقسموا إلى قسمين، يتمثل القسم الأول في حركة فتح وحركة حماس، أصحاب الخلاف والمصالحة، والقسم الثاني يتمثل بمختلف الفصائل والقوى المدنية، أما القطب الثاني فيتمثل في إسرائيل ومكوناتها.
1- حالة حماس: ظهر لنا أن ورقة خالد مشعل التي أسماها "وثيقة المبادئ والسياسات العامَّة" تشمل صورتين : إعلان للتغيير ، وإعلان لرفض التغيير، لقد تضمنت الوثيقة 11 فصلاً و41 بندا، تعيد فيها الحركة صياغة هويتها وتعرض المبادئ والمنطلقات التي تستند إليها في تكوين رؤيتها، وتحديد سلوكها وأدائها السياسي المستقبلي، قياسا بالميثاق الأصلي للحركة الذي كتب قبل 30 عاما الذي كان فيه ارتباط واضح بالإخوان المسلمين.
تظهر الوثيقة المبادئ والسياسات العامة، إلى أي حد استفادت الحركة من دروس ماضية، ويرى البعض أنها تعاملت ببراغماتية مع واقعها المتغير، وآخرون قد شككوا في أن تغيير حدث لحماس كحركة عقائدية، فالوثيقة الجديدة لا تقدم جديدا إلا بالشكل، فهي تحاول الوقوف بين ارتباطها العقائدي وبين العمل السياسي الذي يفرضه التغيير الحاصل في المنطقة، ويعلم قادة الحركة أن التعبئة الحاصلة لمناصريها تتعارض والإعلان الجديد.
ومع أن الورقة تُعد مؤشرا لحالة من التغيير المعلن في 1/4/2017، فقد يُعتبر الإعلان عن قيادة جديدة للحركة أغلبها من الداخل المحتل، مؤشرا آخر، ومثلت الورقة للقادة الجُدُد مخرجا لسياسات يمكن أن تعلن لاحقا، أولها التصالح مع مصر، والتصالح مع محمد دحلان، وفي المجمل ذلك التغيير شكل حالة من الفرص والقوة للوجود على الساحة الإقليمية، وخصوصا بعد المواقف السلبية لدول عربية كثيرة من حركة الإخوان المسلمين، فدعم خالد مشعل للقيادة الجديدة أعطى فرصا لأن تتقدم هذه القيادة بمبادرات جديدة.
على المستوى الشخصي لقيادة حماس الجديدة فهي قيادة من السجون، ومن مخيمات القطاع، وما زالت فيها، تعكس للعامة صورة نضالية مشرفة، يمثل يحيى السنوار قيادة ساحة إقليم غزة، وأول من شكل أمن حماس (جهاز مجد) وزميليه روحي مشتهى الذي يعتبر خليفة لـ محمد ضيف في قيادة الكتائب، وتوفيق أبو نعيم قائد الأمن الداخلي، فروحي وتوفيق أصلا من قيادات القسام قبل السجن، وما زالا على رأس القوات، شكل هذا الثالوث قوة سياسية وأمنية وعسكرية، إضافة لقوة مالية، لم يظهر عليهم التورط بالفساد المالي كما شخصيات من حماس.
ومع أن تشكيل اللجنة الإدارية لقيادة قطاع غزة قد مثلت صورة من صور تجسيد الانقلاب إلا أنها عكست أيضا مدى قوة وتحكم هذه القيادة على الحالة السياسية في غزة، وعلى مدى تأثيرها على الفصائل هناك، وعكست أنه في حال التوصل إلى حل بين فتح وحماس فسوف تستطيع هذه القيادة تمريره، خصوصا أنها لم تتورط بالدم الفلسطيني (الانقلاب).
ومع ذلك فقد تظهر إشكاليات أمنية من هذا التقارب، إن أي تغير في سياسة الأحزاب الراديكالية نحو البراغماتية قد تفرِّخ متشددين سيسيؤوا للجميع، (قد تفرخ دواعش)، كما قد يؤدي ذلك لصراعات القوى المالية في حماس.
توزيع التواجد والأدوار في قيادات الحركة بين الداخل والخارج هي محاولة لفتح أبواب وللالتفاف على الضغوط، كورقة قوة، وقد لا تعكس هذه الخطوة رافدا للمصالحة، فأحيانا تعدد الأوراق المتضادة قد تكون ضاغطة عليها، كما علاقتها مع إيران، فمن قبل بالمصالحة هو يحيى السنوار، وهو من شكل اللجنة الإدارية في القطاع، وهو من تقارب مع محمد دحلان، وبذلك يصبح السؤال : هل تقاربه من دحلان وتشكيله للجنة الإدارية كانت أدوات ضغط على الرئيس أبو مازن لقبول الورقة المصرية، دون الابتعاد عن إيران، ولتوضيح ذلك فإن الاحتمال الأصدق من أن القيادة الجديدة تريد تحقيق مكاسب تسبق إنهاء الانقسام ظهرت في مهادنتها أولا للنظام المصري عبر التنسيق الأمني في بعض الملفات، والمتهم فيها قيادات خرجت من الساحة الإعلامية، رافقها التلويح بورقة محمد دحلان، ولا يغيب عن أذهاننا الأسلوب الذي اتبعته القيادة المصرية في إدارتها للملف باستضافة دحلان عدة مرات وإقامة عدة مؤتمرات وكأنها تتجاوز الشرعية.
ما أرادته حماس يدلل أنها تريد بحث ملف الانقسام من منطلق القوة، وليس تلبية لشروط المتغيرات الإقليمية، مع أنهم أعلنوا موافقتهم عليها من خلال المبادرة المصرية، وسوف نرى أسبابا أخرى دفعت حماس للجوء إلى المصالحة، أو إلى إنهاء الانقسام كحد أدنى.
قبل ذلك علينا مناقشة حالة حركة فتح وحالة السلطة والفصائل.
2- حالة السلطة بقيادة فتح: تعتبر حركة فتح عنوان التمثيل الفلسطيني، فلها الأغلبية في المجلس الوطني وفي اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ورئيس الحركة هو رئيس اللجنة ورئيس الدولة الفلسطينية، تلك نقاط قوة وتمثل الكثير، إلا أن الانقسام يمثل أشد حالات الضعف، ويكمن في عدم السيطرة على عموم الشعب الفلسطيني، وتمثل فرصة للتهرب الإقليمي من استحقاق دعم الشعب الفلسطيني بحجة منازعة التمثيل، وفرص للتدخل الدائم من قوى خارجية، بشتى الطرق وبأسباب مختلفة.
كان البرنامج الانتخابي للرئيس أبومازن يتمثل في ثلاثة نقاط : الاستقلال والأمن والتنمية، ومع ضبط الأمن في المحافظات الشمالية إلا أن الانقسام في حد ذاته يعد خرقا خطيرا وتهديدا دائما، ولا يمكن تتحقق التنمية الشاملة في وجود الانقسام، ولا التحرير، إذا فإنهاء الانقسام مطلب أساسي، أن الانقسام يعد من اخطر التهديدات والمعيقات في مواجهة التحديات ومنها إسرائيل، والتغيرات الإقليمية.
وكون الرئيس يمثل الكل الفلسطيني، ويرأس الدولة وحركة فتح، فالانقسام كان في عهده وكان يجب أن ينتهي في عهده، فحالة التمثيل الشرعي التي تعد قوة وفرص للتحرك والتأثير إلا أنها تبقى ضعيفة في وجود الانقسام، وهي فرصة لتستفيد منها حماس.
لقد مثل الواقع الإقليمي حالة من الضعف الشديد وأثر سلبا على دعم القضية، عدا عن أن الانقسام سمح بالتدخلات الخارجية، بل وهناك سعي حثيث للتطبيع، من دول عربية، تتجاوز القضية الفلسطينية برمتها.
الحالة المالية غير جيدة، وانغلاق الأفق في قيام دولة فلسطينية مستقلة، سبب ذلك حالة من الضعف والتهديد المستمر على مستقبل القضية، بل أن المكاسب السياسية تبقى متأرجحة.
3- الحالة الفلسطينية العامة التنظيمية والحزبية : وتشمل الفصائل الفلسطينية المنضوية تحت منظمة التحرير الفلسطينية وغير المنضوية، وعدم الدخول في منظمة التحرير يعني عدم قبولها أو عدم قبول أغلب ما تمثله من مواقف، وهذا انعكس على التنسيق، وعلى مستويات متعددة، كذلك مسألة قلة عدد المنتسبين وضعف ثقافتهم التنظيمية منها، ويبدو أن من أهم أسباب زيادة عدد الفصائل وتعددها يكمن في ضعف الموجود عن سد الحاجة النضالية والفكرية والتعبوية، إضافة للتدخلات الخارجية، وقد يكون عامل ضعف الثقة سببا ونتيجة للممارسات، إن تدخل الأطراف الخارجية التي تريد لها وضع ما في الساحة الفلسطينية لم ينته منذ نشأة الصراع في القرن الماضي، ولن ينتهي، لكن واقع الحال لم يضع خطة شاملة لمقاومة التدخل الهدام، والحالة الفلسطينية الحزبية مقارنة بعقود سابقة تتسم بضعف التفاعل مع المستجدات التي تمس قضيته، محلية وإقليمية، حدثت مثل هذه الحالة عند إنشاء جبهة الرفض، حالة الضعف هذه لا تعطي فرصا للفصائل منفردة للتعامل السليم مع المتغيرات.
إن غياب الإستراتيجية الواحدة، وعدم الاتفاق على الرؤيا السياسية، كرس حالة الانقسام، وأبعد المتخاصمين، وقد تكون ورقة خالد مشعل "وثيقة المبادئ والسياسات العامَّة" قدمت مخرجا للتقارب المؤقت، إلى حد ما، ويدفع بالفصائل إلى البحث عن حلول، كان يجب أن تكون تنافسية في ظل منظمة التحرير، تلك الحلول الآنية فيها تقارب ما وليس تحالف، كمخرج من حالة الركود السياسي على الساحة الفلسطينية.
يتبع