بر الوالدين
2019-11-04
بسم الله الرحمن الرحيم
بر الوالدين
يُطلق لفظ البر في اللغة على أكثر من معنى ومن هذه المعاني: الخير، والطاعة، والإكرام، واللطف، والبر عكس العقوق.
وفي الاصطلاح: يُطلق البر على الإحسان غالباً، ويكون ذلك بالقول الليّن اللطيف الذي يدلّ على الرفق والمحبة، والابتعاد عن الكلام الغليظ الذي يؤدي إلى النفرة، ويرتبط ذلك بالشفقة والعطف والتودّد والإحسان بالمال وغيره من الأفعال الصالحات.
لقد أولى الإسلام العظيم موضوع برّ الوالدين اهتماماً كبيراً واعتنى به عنايةً خاصة، فقد جعل الإسلام بر الوالدين أعظم البر وأفضل الأعمال بعد الصلاة المكتوبة، كما أخبر بذلك الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- كذلك أبرز الإسلام ما للأم من دورٍ مهمّ، بل وبالغ الأهميّة في تربية الأبناء وتنشئتهم وتعليمهم وتثقيفهم، فالأم إما أن تكون أداة بناءٍ في هذا المجتمع من خلال التربية الصالحة للأبناء، أو أن تكون معول هدم وإفساد إن لم تقم ترتبيتها لأولادها على أسس متينة وتربية قويمة، أو إن أهملت تربية الأبناء وضيّعت مسؤولياتها، وقد أثنى الإسلام على دور الأم العظيم في الأسرة ودعا الأبناء لبرّها واحترامها وطاعتها حبّاً ورحمة، بل وقدّمها في حقّ البر على الأب الذي لم يغفل دوره ومكانته في الأسرة.
ونهى الإسلام عن عقوق الوالدين وشدّدّ في ذلك غاية التشديد، كما ورد في القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)، ففي هذه الآية الكريمة أمر الله سبحانه وتعالى عباده بعبادته وحده وتوحيده وتقديسه عن كل النقائص، وعدم الإشراك بعبادته سواه من البشر، ثم قَرَن عبادته وتمام طاعته ببر الوالدين، وجعل بر الوالدين مقروناً بذلك، مما يدل على عظم بر الوالدين لمن أراد أن يبلغ ذروة طاعة الله، والوصول إلى أعلى درجات رضاه.
وقد قرن الله عزَّ وجلّ أيضاً شكرهما بشكره سبحانه عزّ شأنه، ويظهر ذلك في قوله تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)، فالشكر لله يكون بشكره على نعمة الإيمان التي أنعم بها على عبده بأن هداه للإسلام، ويسّر له السبل والوسائل لذلك، ويكون الشكر للوالدين على نعمة التربية ودورهما في ذلك من عناية، وتنشئة، واهتمام، ورعاية، وإنفاق، وغير ذلك.
ومما جاء في الصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما رواه عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- حيث قال: (سألتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أيُّ العملِ أحبُّ إلى اللهِ؟ قال:الصلاةُ على وقتِها قال: ثم أيُّ؟ قال: ثم برُّ الوالديْن قال: ثم أيُّ؟ قال: الجهادُ في سبيلِ اللهِ قال: حدثني بهن، ولو استزدتُه لزادني)، وفي ذلك إشارة واضحةٌ ظاهرةٌ بنص الحديث الصحيح إلى أن برَّ الوالدين هو من أحب الأعمال وأقدسها وأقربها إلى الله سبحانه وتعالى ورسوله المصطفى -صلى الله عليه وسلم- حتى من الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام.
وقد ذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- برّ الوالدين بعد الصلاة على وقتها من حيث الأفضلية التي لا يقدمها شيءٌ في الفضل والأجر من أعمال المسلم وعباداته، وفي هذا إشارة إلى عظمة مكانة الوالدين في الإسلام وعلو شأنهما، ودورهما الكبير في حياة الأبناء والبنات، وما ينبني عليهما من تنشئة المجتمعات، من خلال الرعاية والتوجيه والإرشاد.
كيفية برّ الوالدين
بر الوالدين يكون باتباع عددٍ من الأمور والأعمال اليومية أو الدورية، والتي حثَّ عليها الإسلام، ودعا لها، وأرشد إليها في الكثير من النصوص الصريحة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ومن هذه الأعمال ما يأتي:
بر الوالدين يكون بطاعة الوالدين فيما يأمران به مهما كان، بشرط ألا يكون ذلك الأمر محظوراً منعتْ فعلَه الشريعةُ الإسلامية بأن يكون منهياً عنه صراحةً أو ضمناً في القرآن أو السنة أو الفقه الإسلامي، كما يجب تقديم أمر الوالدين الذي يطلبان من الأبناء فعله على فعل النافلة من العبادات، ويجب اجتناب كل ما نهيا عنه من أمور ما لم يكن الأمر المنهي عنه في تركه معصية ظاهرة لله عزَّ وجلّ؛ كأن ينهيانه عن صلاة الفريضة، أو عن صيام الفرض، أو مثل ذلك من الفرائض التي أمر الله سبحانه بها.
الإنفاق عليهما مالياً وتلبية احتياجاتهما وسد عوزهما، ولو لم يكونا فقيرين، فالأبوان يفرحان بإنفاق أبنائهما عليهما، إذ يشعران بأن جهدهما لم يضع سُدى. خدمتهما ومساعدتهما على تأدية احتياجاتهما بكل السبل والوسائل المتوفرة والمتاحة لذلك ما أمكن، وتقديم المسلم راحتهما على راحة الأبناء أو حتى راحته نفسه وذلك من أعظم البر.
استعمال الأدب في الحديث معهما والهيبة عند الوقوف بين يديهما، فلا يرفع الابن صوته بحضور والديه، ولا يحدق النظر إليهما، ولا يدعوهما باسمهما، بل من الأدب أن يمشي وراءهما، ويصبر على ما يكره مما يصدر منهما، ويخاطبهما بأحب الأسماء إليهما. أما في حال موتهما فإنّ من برِّهما أن يدعو الابن لوالديه ويستغفر لهما، ويصل رحمهما كأخوات الوالدين وأخوالهم وأعمامهم وخالاتهم، ويتصدّق عنهما ما أمكنه ذلك سواء كانت الصدقة صغيرة أم كبيرة، وأفضلها الصدقات الجارية؛ كتهيئة الماء للمارّة، وحفر الآبار، وأن يلتزم الاستقامة على طريق الهداية، ووصل صديقهما، ومن يحبان من الناس.
والحمد لله رب العالمين
مفوض الارشاد الديني
مقدم/ شكري خاطر