الروائي أحمد رفيق عوض: الثقافة بحاجة إلى نقيضها كي تصبح أكثر قوة والصراع على هذه الأرض ليس صراعا على ملكية عقار
2020-02-25التوجيه السياسي والوطني / الإدارة العامة للإعلام /توفيق العيسى
ستظل الروايات والحجج مرتبكة طالما لم تعتمد حق الانسان في وجوده مقياسا للصراع، وكما أن الحق لا يسقط بالتقادم، فإن التقادم وصراع من سبق الآخر على هذه الأرض يسقط الحق في ظل وجود الانسان ذاته ومصالحه الإنسانية المشروعة.
في حوارنا حول ما قدمته الولايات المتحدة الاميركية من خطاب لاهوتي يدعم حق " اسرائيل" في احتلال وضم مزيد من الأراضي الفلسطينية بما يعرف بإسم "صفقة القرن" التقينا الروائي ودكتور الإعلام أحمد رفيق عوض في محاور عدة، منها الخطاب الإسرائيلي الأميركي ومسوغاته التاريخية والدينية، وسؤالنا من هو الأقوى الحق التاريخي أم السياسي - او حق الوجود -.
بين الدكتور أحمد رفيق عوض أن كل الشعوب لها ادعاءاتها التاريخية، ولها ما تقدمه أو تتوهمه، لكنها لا تحققه لأسباب كثيرة، لذلك الحقوق السياسية هي التي تتقدم وتحمى بالقوة العسكرية، وهذا لا يعني اسقاط العامل اللاهوتي في التأثير على السياسيات، فما يبدو سياسة هو لاهوت كما تفعل إسرائيل وأميركيا، وهي مسألة معقدة جدا، فالثقافات عادة تلعب دورا في السياسة، فكل نظام له بصمته الخاصة بسبب ثقافته لذلك هي تلعب دورا في تشكيل سياسته، لكن من هو الحق الذي يتأكد؟ هو الحق السياسي، لأنه مسنتند إلى القوة العسكرية، وحاليا في ظل عالم أصبح صغيرا وقانون دولي، ليس كل من يتوهم حقا فهو يمتلكه.
وأشار إلى أن القررات الأممية استندت إلى السياسة وليس الى التاريخ، فالقوى السياسية ضغطت على الأمم المتحدة فقبلت بقرار التقسيم، والسؤال الأهم لماذا قبلوا بتقسيم فلسطين؟! الجواب هو من أجل حل قضية "اليهود" عالميا على حساب الفلسطينيين. هنا لم يكن العامل التاريخي والديني فقط من قرر ذلك بقدر ما كانت موازين القوى السياسية والعسكرية التي فرضت هذا الواقع على الأرض.
كما وضح د. عوض أن علماء الآثار والتاريخ عكفوا على البحث والتنقيب في الأرض الفلسطينية بحثا عن الادعاءات التوراتية فيها، وتأكيدا لقصص التوراة في الحق الإسرائيلي، إلا أن كل أبحاثهم – علميا- باءت بالفشل، ومع ذلك نجد التمسك الأميركي بهذه الروايات التي لم تثبت علميا وتاريخيا في إعطاء إسرائيل حقا تاريخيا ودينيا في فلسطين.
ونوه إلى أنه منذ العام 1850 حتى اليوم تحاول القوى الاستعمارية ان تثبت أن التوراة صحيحة، والحقيقة أنهم كلما توغلوا في التوراة وفي البحث يجدون أن التوراة كتاب لا علاقة له بالتاريخ أو بما يجري على الأرض، لذلك فإن هذا الهوس بتطبيق رؤى لاهوتية على الأرض يعتبر تفسير "حرفي" للأنجيل والتوراة، الذي بدأ مع انشقاقات الكنيسة الكاثوليكية في القرن الخامس عشر تقريبا، ومنذ ذلك القرن انتصرت الرواية اليهودية المسيحية على الرواية الكاثوليكية مع انفصال مارتن لوثر عن الكنيسة، الذي أنشأ الكنيسة البروتستانتية، وهي تفسيرات قائمة على عودة " المسيح" واحدى ظواهر عودته قيام دولة إسرائيل، فمنذ ذلك الحين دعمت دول بروتستنانتية الحركة الصهيونية استجابة لهذا التفسير حتى مجيء الادارة الأميركية الحالية في عهد ترامب، وأكثر من ذلك فهم يقولون نحن الذين سنأتي " بالمسيح" بأيد بشرية وليست إلهية، وهذا هوس حقيقي ولذلك انتصرت الرؤية التوراتية أو " الوهمية".
وحول سؤالنا على ماذا سيستند الخطاب الفلسطيني ؟ على الثقافات والدين والتاريخ أم على الخطاب السياسي ؟
قال الدكتور أحمد رفيق عوض "برأيي يجب أن يكون خطابا متعددا. الإنسان هو إنسان، إذا أثرت على مصلحته بالنهاية سيأتي ليفاوضك، علينا التأثير على الآخرين من خلال مصالحهم وليس ادعاءاتهم فقط، نحن أمام عقليات مغلقة يفسرون كما يريدون، والثقافات صعب تحريكها ومن الصعب اقناعهم بأن ما يفكرون به كذبا أو غير صحيح، لذلك الخطاب يجب أن يكون موجها نحو مصالحهم.
وبين أنه من الصعب أن تقنع أحدا أن يغير ثقافته أو دينه ومن جانب آخر فهو طلب غير إنساني، فمن حيث الثقافة والدين إذا كان مقتنعا بكل ذلك، فليقتنع بما يشاء، لكن بالنهاية إذا ما هددت مصالحه المتعددة من حيث الأمن والغذاء والتجارة وغيرها فسيستجيب حتى لو أجل رؤيته، مقابل حل سياسي آني.
اذا عودة للسياسة مرة اخرى، العالم يتحرك بمصالحه، بالسياسة وليس بالثقافات والتاريخ فقط، اذا كان التاريخ يتحرك بالأحلام والأوهام، فأن السياسة تلطف الغلواء،وتجمع الكل، وتؤدي إلى تعايش العالم وقد تؤخر الانفجار أو الاصطدام حتى وإن بدا هذا التعايش غير سليم ، إلا أن الحياة هكذا، مصالح قوية، لذلك كيف علينا ان نتعامل مع أميركا؟ بالمصالح، وهذا يعني المقاومة والمقاطعة وتشكيل جبهة عالمية، وتعرية مواقفهم من خلال كل القوى وهنا تدخل حرب الثقافات.
بالأشارة الى أن الخطاب أو الرواية الفلسطينية ملتبسة أيضا، بين الكنعاني والديني، اذا ما بنينا خطابا يقوم على أولى القبلتين مثلا فنحن نتحدث عن زمن أقل من الزمن الذي تدعيه إسرائيل، اذا ما أخذنا بالحسبان أن الرواية الإسرائيلية المستندة إلى التوراة هي تستند إلى نص درامي جعل روايتهم أكثر درامية وأكثر قبولا أحيانا.
اجاب د. عوض "للرواية الإسرائيلية حبكة روائية قوية هي التوراة وهو أشهر كتاب درامي ملحمي، انتشر في الغرب لهذا السبب ، والغرب يقوم على جذرين مهمين، الملاحم الاغريقية والتوراة، فالقول بكنعانية الأرض يمكن تأويله ونفيه من العالم حتى لو بتزوير الحقائق، كأننا نسابقهم بالزمن علما أن التوراة ذكرت كثيرا من القبائل التي عاشت في هذه المنطقة، سيقولون لنا وماذا يعني ذلك؟! فالسباق ليس على من سبق في المكان، إنه سباق على روح المكان، ومن يتمثل بروح هذا المكان".
ومن جهة اخرى اكد د. عوض أن هذه الأرض لنا لأننا موجودون عليها، وهذا حق الوجود، كحق أي انسان في وطنه. والصراع على هذه الأرض ليس صراعا على ملكية عقار، لذلك علينا ألا ننتظر من يقول لنا عرفوا عن ذاتكم، كمن يعرف علاقته بوالديه، هي علاقة شرعية غير خاضعة للتعريف، وكذلك وجودنا على الأرض، هذه لعبة شرعنة العلاقة، والاحتلال يعرفها ويشرعنها بادعاءات غريبة، وهذا يوحي بأن علاقتنا مع الأرض مرتبكة، وهذا ما يريده أي احتلال، وأحد أشكال الاحتلال اجبارك على اعادة تعريف نفسك، وعلى اعادة تعريفك لثقافتك، فالاحتلالات تدعي رداءة ثقافة المحتل وضعف بناه الاجتماعية مسوغا لاحتلال الآخرين، عبر هز ثقة الخاضع للاحتلال بنفسه، ولذلك يشعر الشعب الواقع تحت الاحتلال بالعجز والدونية وعدم القدرة على العمل، لذلك الشعوب تأخذ وقتا طويلا أحيانا للتحرر، حتى تعيد ثقتها بنفسها.
وعبر قوى داخلية نستطيع من خلالها أن تقول اننا نستحق الحياة، هناك شعوبا ذابت في ثقافة المحتل تحت هذا الشعور، كفلسطينيين لم يحدث هذا بنا، لم نستكين لأننا نمتلك ثقافة قوية غير قابلة للكسر ولا تذوب، نعم نحن مكسورون ولكن ليس إلى حد كبير، نحن نمتلك ثقافة فرسان وشعراء لا تذوب، وتحملت سابقا غزوات أخرى، مثالا الفلسطينيون في مناطق ال48 بعد كل هذه السنين ما زالت هويتهم تقوى أكثر فأكثر، وتعبرعن هذه الحالة حاليا القائمة المشتركة. ربما لدينا ظواهر سيئة ولكن لم نذب، إحدى إيجابيات عدم الذوبان أيضا هي طبيعة اسرائيل القائمة على الطرد وليس تذويب المجتمع الفلسطيني، فالثقافة بحاجة لنقيضها كي تنتصر وتصبح أكثر قوة.