إسرائيل والإسلام السياسي بين المواجهة والتعايش... اعداد/ عليان الهندي
2017-10-30إسرائيل والإسلام السياسي بين المواجهة والتعايش... اعداد/ عليان الهندي
(الحلقة الثانية والاخيرة)
كيف تعامل الإسلام السياسي مع المطالب الأمريكية والإسرائيلية
بعد أحداث 11 سبتمبر توصلت الولايات المتحدة إلى قناعة بأن مشاركة الإسلام السياسي، خاصة الأخوان المسلمين، بالحياة السياسية في الدول العربية من شأنه أن يقلل المخاطر التي تهددها.
ونتيجة لذلك دخلت في حوار مع الأخوان المسلمين في العديد من العواصم الأوروبية المختلفة وفي سفارتها بالقاهرة، حددت فيه المطالب الأمريكية والإسرائيلية من الأخوان المسلمين كشروط للمشاركة في الحكم وهي:
1-نبذ العنف والإرهاب.
2-حل التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وإنشاء أحزاب إسلامية قطرية، وبمعنى أدق الموافقة على خارطة سايكس-بيكو التي قسمت الوطن العربي إلى 23 دولة عربية.
3-الالتزام بالمحافظة على اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة الموقعتان مع مصر والأردن.
4-الالتزام بتبادل السلطة، أي الالتزام بالديمقراطية والانتخابات الدورية.
5-المحافظة على حقوق الأقليات.
6-المحافظة على حقوق المرأة .
7-وبعد الانتخابات التي جرت في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 2006 وفوز حركة حماس بها، أضافت اللجنة الرباعية بطلب من الولايات المتحدة وإسرائيل شروطا جديدة للمشاركة في الحياة السياسة الفلسطينية وهي: منع الإرهاب، ووقف إطلاق الصواريخ والالتزام بالاتفاقيات الموقعة بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية، وهي ترجمة للشروط التي فرضت على م.ت.ف عام 1974 للدخول في المسيرة السلمية (نبذ الإرهاب والاعتراف بحق إسرائيل بالوجود وبأن قرار مجلس الأمن 242 هو مرجعية المفاوضات).
ولم تتوقف الشروط على الإسلام السياسي السني بل امتدت إلى الإسلام السياسي الشيعي الذي تقوده إيران حيث حددت مطالبها منه بالتالي :
1-تفكيك المشروع النووي الإيراني.
2-منع تحويل إيران لقوة إقليمية نتيجة دعمها "للإرهاب" القادم من لبنان وغزة.
3-إضعاف حزب الله وتحويله لحزب سياسي لبناني .
وحول كيفية تعامل التيار الإسلامي مع الشروط الأمريكية والإسرائيلية، أشير الى أن التنظيم العالمي للإخوان المسلمين أعلن في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي عن موافقته على مشاركة المرأة في العمل السياسي والموافقة على منهج المشاركة في الحكم وليس المغالبة . وأوجد تعايشا مشتركا بين مفهوم الديمقراطية التي شبهته بالشورى لتضمنه ثلاث حريات أساسية هي: حرية الرأي، حرية التنظيم، وحرية المشاركة. وهي حريات تصونها الشريعة الإسلامية، وبالتالي لم يعد هناك من حرج بالتيار اعتبار الديمقراطية شعارا سياسيا لهم بعد أن كانت أحد أهم أسس العلمانية الكافرة .
وحول نبذ العنف و"الإرهاب" أعلن التنظيم العالمي أن الإخوان المسلمين حرصوا على نبذ العنف كمنهج سياسي لهم. لكنهم لم يشجبوا العمليات العسكرية ضد المحتل الإسرائيلي ولم يعترفوا بشرط الاعتراف بكامب ديفيد كمدخل للاعتراف بإسرائيل، وهو أهم الشروط الغربية والإسرائيلية، والذي كان سببا في توقف هذه الحوارات بين الفينة والأخرى .
وفي الوقت الذي رفضت فيه حل التنظيم العالمي كأحد الشروط، قامت بتأسيس أحزاب مستقلة في الدول العربية قبل وبعد الثورات العربية مثل حزب الحرية والعدالة في مصر وحزب النهضة في تونس والتنمية في المغرب وغيرها من الدول، وذلك في إشارة منهم بموافقتهم على هذا الشرط دون الإعلان عن ذلك .
وعلى أي حال، وقعت الثورات العربية التي أسقطت حتى اليوم نظامين (تونس ومصر) وثالث بتدخل من حلف شمال الأطلسي (ليبيا) ورئيس (علي عبدالله صالح) وحكومة (المغرب)، وهناك ثورة مندلعة في سوريا، وحراك في الأردن. وجرت انتخابات في ثلاث دول هي المغرب وتونس ومصر أدت لفوز الأحزاب الإسلامية المنتمية للإخوان المسلمين، ما فرض على الغرب وإسرائيل واقعا جديدا يتطلب منها البحث باتجاهين :الحرب أو التعايش.
بين التعايش والمواجهة
التقطت إسرائيل مبكرا حالة الذهول التي اعترت تيارات الإسلام السياسي من فوز في الانتخابات التي جرت في المغرب وتونس ومصر، حيث بدأ قادة ونشطاء هذه الأحزاب حملة تهدئة داخلية لم يعد يذكر فيها شعار "الإسلام هو الحل"، وحملة تهدئة خارجية وصلت لذروتها في تصريح المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن الإخوان المسلمين في مصر لن يلغوا اتفاقية كامب ديفيد ولن يعرضوها على الاستفتاء العام. وامتدت حملة التهدئة لتشمل المغرب العربي حيث أبلغ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية مجتمعيه من اليهود الأمريكيين وبعض الإسرائيليين في أحد مراكز الأبحاث التابعة للوبي الصهيوني "الايباك" في الولايات المتحدة إلى القول انه لن يسن قانونا يحرم فيه قيام علاقات مع إسرائيل .
لكن هذه التصريحات لم تقلل من المخاوف الإسرائيلية التي وضعت سيناريوهين :الأول، في حالة إلغاء اتفاقيات كامب ديفيد والاستعداد للحرب. والثاني، خلق حالة من التعايش تفرضها الاتفاقيات القائمة مع مصر والأردن والفلسطينيين.
وفيما يتعلق بسيناريو الحرب بدأت إسرائيل في بناء سياج أمني على طول الحدود المصرية بطول 450 كليو متر تقريبا لمواجهة ما تسميه "الإرهاب" القادم من سيناء وغزة، ومنع تسلل المهاجرين الأفارقة إليها .
والأمر الثاني الذي بدأت العمل فيه هو تنفيذ توصيات لجنة برادوت (لبحث أسباب الفشل في حرب لبنان الثانية) الداعية لتحويل كل أموال المساعدات الأمريكية البالغة 30 مليارد دولار من عام 2007-2018 لميزانية وزارة الدفاع بهدف خوض حرب على أكثر من جبهة واحدة. وتتوقع مختلف المصادر الإسرائيلية أن إلغاء اتفاقيات السلام مع مصر والأردن واتفاقية وقف إطلاق النار مع سوريا بعد سقوط النظام اندلاع حرب شاملة تحتاج لفترة تمتد من 5-10 سنوات. لكن إسرائيل بهدف عدم التصعيد العسكري مع الدول العربية المذكورة تنفذ ذلك بهدوء وبشكل تدريجي .
وبخصوص التعايش المنشود إسرائيليا، ترى إسرائيل أنها ستحاط في الأعوام القادمة بالإخوان المسلمين من المغرب حتى اليمن، ويفرض هذا الوضع عليها البحث عن طريقة تتعايش فيها مع الحكومات الجديدة معتمدة في ذلك على اتفاقيات سلام معها، حيث بدأ الحديث فيها عن إمكانية فتح الاتفاقيات وتعديلها بهدف تعزيز السيادة المصرية على سيناء التي ضعفت خلال العقود الثلاثة الماضية خاصة في مناطقB و C. وتتفق المصادر الإسرائيلية المختلفة أن موافقة إسرائيل على تعديل الاتفاقيات مع حكومات إسلامية منتخبة سيمنحها روحا وشرعية جديدة ضعفت خلال العقود الماضية. ’يمكن هذه الحكومات من القول أنها أنجزت ما لم يستطيع النظام السابق إنجازه.
وستحرص إسرائيل على إشراك الولايات المتحدة في مفاوضات تعديل الاتفاقيات مع مصر والأردن، لتكون الطرف المعارض لأي تعديل لا ترضى به. كما تتطلع إسرائيل لتعزيز دور القوات الدولية في سيناء ومنحها صلاحيات جديدة تتعلق بالتنسيق بين الطرفين لتفادي الاحتكاك مع الحكم الجديد في مصر .
ولمواجهة الجمود المتزايد في العلاقات الرسمية بين إسرائيل ومصر، ترى إسرائيل أن بالإمكان اقتصارها على علاقات أمنية يقوم بها الجيش والمخابرات المصرية العامة كما كان عليه الحال خلال حكم مبارك الذي سلم فيه ملف العلاقات مع إسرائيل لوزير المخابرات عمر سليمان على المستوى السياسي، وللجيش على المستوى الميداني.
التطلع لإرضاء الإسلام السياسي خاصة الأحزاب التابعة لحركة الإخوان المسلمين، والاعتراف بأن "دولة حماس" في غزة بدأت تتحمل مسئولياتها، وتتصرف في الأشهر الأخيرة بطريقة أفضل من تصرفاتها خلال عهد مبارك، وهي ضابطة للأمور في غزة أكثر من السلطة الوطنية الفلسطينية حتى خلال حكم الشهيد ياسر عرفات، وتتراكم لها مصالح، يلتقي بعضها مع المصالح الإسرائيلية، بدأت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بحث إمكانية التوصل لتفاهمات وإيجاد قنوات اتصال واقعية مع حركة حماس، وتضمن بعض هذه الاقتراحات إمكانية طرح حل مرحلي على حركة حماس في الضفة الغربية دون الاعتراف بدولة إسرائيل كدولة يهودية، ويكون الحل الجديد شبيه بهدنة حرب عام 1948، وهو الحل المحبب لدى حماس .
وبخصوص العلاقات غير الرسمية التي تقيمها إسرائيل مع المغرب فيمكن حصرها بالعلاقة مع القصر الملكي من دون حدوث أي احتكاك مع الحكومة هناك، ومع تونس هناك تطلع لبقاء مدينة جربة مفتوحة أمام السياحة اليهودية.
أمر آخر ترى إسرائيل أن بالإمكان تعزيز التعايش من خلاله هو التعاون مع الإسلام السياسي السني الذي هو في حالة عداء تاريخي مع الإسلام الشيعي الذي يحاول تطوير برنامج نووي لا يهدد إسرائيل فقط، بل العالم العربي السني أيضا.
وفيما يتعلق بمواجهة الإسلام السياسي الشيعي ترى إسرائيل بأن القضاء على المشروع النووي الإيراني سيساهم في تقويض الإسلام السياسي الشيعي في المنطقة، ويدفع إيران إلى الانكفاء الداخلي، ويمنع تطورها إقليميا وفق الرؤى التي يحملها أيات الله في قم. وعلاوة على الانكفاء الشيعي الذي تتطلع إليه إسرائيل بعد تدمير المشروع النووي، يساهم إسقاط النظام السوري في إضعاف حزب الله ويعيده حزبا لبنانيا داخليا، ما يسمح بتقليل التهديدات التي تواجهها إسرائيل خاصة في مجال ما تسميه الإرهاب.
خلاصة القول هي، أن إسرائيل تدرك أن المحيط والإقليم الاستراتيجي يتغير لغير صالحها، غير انها تحمل مشاعر متناقضة بين الخوف من مستقبل غير واضح لها، مما يدفعها للتسلح والاستعداد لحرب شاملة على أكثر من جبهة، وبين أمل في شرق أوسط لا يختلف كثيرا عن سابقه المتعاون والمشارك والوسيط والضاغط. لكن مشاعر الخوف الغالبة دوما، تدعوها إلى تجميد المسيرة السلمية مع الفلسطينيين ورفض أية مقترحات للعودة إليها بحجة مشاعر الخوف من مستقبل مجهول في الشرق الأوسط، ما يؤدي لتهيئة الأجواء لانتفاضة فلسطينية جديدة خاصة في الضفة الغربية، تفرض واقعا جديدا على الثورات العربية والأنظمة الجديدة ذات الطابع الإسلامي يحدد فيه طبيعة الصراع المستقبلي في المنطقة.