"مصالحة أم انهاء انقسام" (الحلقة الثانية)..... اعداد عقيد/ محمود عبد الرحمن
2017-12-11"مصالحة أم انهاء انقسام"
التغيرات الاقليمية والتوجهات الدولية وأثرها على انهاء الانقسام
هيئة التوجيه السياسي والوطني / الادارة العامة للتدريب
عقيد / محمود عبد الرحمن
(الحلقة الثانية)
4- الحالة الإسرائيلية : إن إضعاف الوضع الفلسطيني يمثل مكسب وفرصة للاستمرار بسياسة الاستيطان والهيمنة على الأرض ومقدرات الوطن ، بل والخرق الأمني المستمر.
فالسياسة الإسرائيلية مستمرة نحو اليمين المتطرف ، ونحو التقوقع على الذات ، وأصبحت إسرائيل أكثر تشددا ، على المستوى الصهيوني الإسرائيلي وعلى المستوى الديني ، وفي الحالتين تعمل على إبقاء الوضع في التحكم بإدارة الصراع ، بما يخدم مخططاتها ، ودون أي برنامج سياسي للتسوية أو الحل ، ويبدو أن ذلك لا يتعارض مع السياسة الأمريكية حول القضية الفلسطينية ، وقد استطاعت إسرائيل أن تحقق اختراق على الساحة العربية، بل هناك تعاون على مستويات أمنية واقتصادية مما شكل حالة من التهديد ، ولها دور رئيسي فيما يخطط له على المستوى الدولي ، إسرائيل تريد انقسام موجه ، بأن يكون بيدها أوراق توجيه المسارات ، خصوصا ذات الأبعاد الاقتصادية ، من خلال شخصيات جل اهتماماتها هو الحفاظ على حالة من الاستقرار مع بقاء سياسة الاحتلال ، أو الهيمنة ، وأن لا تكون هناك حلول سياسية.
ثانيا : المحيط الإقليمي العربي: وحتى تتضح الصورة الفلسطينية أكثر علينا النظر للمحيط الإقليمي ، فصورته الحالية العامة هو عالم عربي متصارع ودامي ومنقسم ، أو يذهب إلى التقسيم ، تتصارع عليه قوى خارجية ، ولم يعد داعما لقضية التحرر، بل أصبح داعما للتسوية السريعة ، بغض النظر عما تم الاتفاق عليه ، ويسعى نحو التطبيع محاولا تجاوز قضية فلسطين ، وتجاوز المبادرة العربية .
ويبدو أن قناعات الفصائل الفلسطينية وصلت لرؤيا أن حالة الانقسام أعطى فرص للدول الساعية للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي بتجاوز الحق الفلسطيني ، ولقد تجاوزت قيادات عربية الأمن القومي العربي كله ، وسبق ذلك حالة من اللامبالاة من قبل الشعب حول التغيرات السلبية الحاصلة .
الدول الإقليمية الأكثر تأثيرا وتأثرا بالقضية الفلسطينية هي مصر والأردن ، يليها بالقراءة التاريخية سوريا والعراق ، والتي خرجتا من حالة التأثير، ودخول قوى نوعا ما متفاهمة فيما بينها حول عدة قضايا ، وفي بعض الأحيان تظهر من هذه الدول أنها داعمة ، وأحيانا تكون سلبية ، ونقصد هنا الرباعية العربية ، مصر والأردن والسعودية والإمارات ، تلك الدول التي يُرسم لها دور مستقبلي في المنطقة ، غير محدد المعالم تماما ، حيث لم ينتهي صراعات وإرهاصات الربيع العربي ، وبالتالي لا تستطيع الفصائل الفلسطينية تجاوز الدول المؤثرة ، أو التي لها دور حالي أو مستقبلي ، وأصبحت الإمارات والسعودية تملك أوراق ما في المنطقة ، وإن كانت ضعيفة ، مثل دحلان ، واليمن وسوريا وليبيا وسيناء، وستبقى مصر المؤثر الأساس في قضية فلسطين ، وهذا ما قامت به أخيرا لحل النزاع الناشئ بين فتح وحماس .
قوة السعودية النفطية والمالية والدينية ، والتي كانت سابقا لا "تظهر" إعلامياً كلاعب أساس في المنطقة أو الساحة الدولية ، ولكنها كانت وما زالت تُعد من دول التأثير، فالسياسة الحالية المتسمة بالدبلوماسية الخشنة ، بدل الجزرة ، بالتدخل المباشر بالحرب، وفي دعم وتمويل جماعات مسلحة في عدة دول ، أحالتها من لاعب خفي إلى لاعب له تأثيره العلني ، قد يختلف البعض فيما تملكه من درجة القوة والتأثير، إلا أن هناك اتفاق بين المتابعين بكونها ستكون ممثلة ولو إلى حين في "صفقة القرن" ، مع أنها ليست بمعزل عن الاستهداف ، وما التغيير الداخلي السريع الذي تتعرض له في التوجهات الاقتصادية والاجتماعية والفكر الديني الذي يقوده ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان إلا مؤشر للحالة التي يسعى الأمير للوصول إليها ، وهو أيضا يعكس مطالب دولية ، وكما يملك أوراق قوة إلا أن التهديدات مازالت موجودة ، حالة اليمن تعكس صورة لما تخشاه السعودية ، وتؤكده ، في النفوذ الإيراني ، وهو نفوذ حققه الإيرانيون على الحدود الشمالية لهم ، حيث العراق ، وفي سوريا ولبنان ، أضف إلى أن التغيير الداخلي السريع لا يعد إيجابي بل له صورة صراع داخلي بين الجديد السريع والقديم المتأصل ، إنها أقرب لبيروسترويكا سعودية ، قد يفشل التحكم فيها .
في كل الأحوال تعد قضية فلسطين الورقة الأقوى إقليميا ودوليا ، خصوصا لمن يستطيع أن يأخذ حضور فيها ، وما تريده السعودية أن يكون لها أوراق تأثير، كما قطر في علاقتها مع الإخوان ومع حماس ، على الأقل مع الجناح المتنحي ، وكما الإمارات التي ما زالت علاقتها مميزة مع دحلان ، تلك أمور جلية وواضحة ، إلا أن حجم وتسارع التغيرات في دول الإقليم أثر وبشكل رئيسي على توجهات حركة حماس ، لا يعني ذلك أن تغير تحالفاتها كما فعلت مع سوريا ، لكنها ستحاول الوقوف في منتصف الطرق مع أكثر من جهة ، تلك الحالة تختلف عن حالة الحياد .
ما زالت الدول العربية تعاني من إرهاصات ما سمي بالربيع العربي الذي سبب حالة من التفكك ، ولم تخرج مصر من تلك الحالة فما زال الخطر موجودا عليها ، وفيها ، كما في سيناء ، وما زالت مصر تشكل للمجموعات المسلحة ممرا للعبور إلى أفريقيا من آسيا وبالعكس ، إلا أنها ما زالت تملك الكثير من الأوراق فيما يخص القضية الفلسطينية التي تشكل عامل ضغط على الفلسطينيين .
كما مصر ، باستثناء القوة العسكرية ، فالأردن يشكل الآن بعدا إيجابيا للقضية ، يملك امتدادا جغرافيا وسياسيا واقتصاديا ، ومنطقة حدودية ، يضاف إليه عن مصر البعد الديمغرافي ، في الوجود الفلسطيني هناك ، إلا أن الأردن لا يرى في امتداد حماس للضفة سوى تهديد مستقبلي ، فما زال الأردن يرى في حماس امتدادا طبيعيا للإخوان .
ثالثا : المحيط الإقليمي البعيد : صراع محاور إقليمية ، تُمثل توجهات ومصالح دولية في المنطقة ، إلا أن المحور الذي فيه تركيا وإيران ومعهم قطر وسوريا ، له غايات خاصة أخرى ، فإيران متفقة مع روسيا استراتيجيا لإبعاد المطامع الأمريكية ، ليس عداوة ، فلكل دولة مصالحها ، وذلك يتضح أكثر في عضو حلف الناتو تركيا ، فتركيا ترسم سياسة منافسة على النفوذ في المنطقة ، حيث ما زال يمر من ميناء جيهان أغلب نفط بحر قزوين وأغلب نفط العراق ، لتكون على رأس تمثيل المصالح ولتكون حصتها أكبر ومميزة، تحاول بناء تحالفات مع قوى في سوريا لا يرضى عنها صانع السياسة الأمريكية ، وتتحالف مع قطر ليتصدرا احتضان مشروع الإخوان الدولي ، الذي تراجع عن الواجهة للخلف ، يقابله محور فيه مصر والسعودية والإمارات ومعهم الأردن ، وحديثنا لا يتعلق بالصراع ولا بأدوار تلك الدول ، وما يهمنا مصالحها ، التي يبدو ، أنها لا تتعارض كثيرا مع مصالح منظمة التحرير في العموم ، ومن الطبيعي أن لا تتطابق ، وإن أخذت خلال السنة الماضية شكل الخلاف ، خصوصا ما يتعلق بالضغط على الفلسطينيين للجلوس مع الإسرائيليين للوصول إلى تفاهمات عامة ، وكذلك لتسمية من يخلف الرئيس أبومازن ، وما لذلك من دلالات سلبية ، ومؤشر للرغبة في التقارب مع إسرائيل ، تلك الحالة تتناقض مع بقاء حالة الود والتقارب بين حماس وإيران الذي ما زال يشكل هاجسا لدى الأغلب العربي، الداعم للمصالحة ، كمصر والسعودية ، وينظر إليه باستهجان ، خصوصا بعد جولات إنهاء الانقسام الفلسطيني برعاية مصرية .
لم تنقطع حماس عن حلف تركيا/ إيران/ قطر ، بل أكدت ذلك مرارا وتكرارا ، وأخيرا بعد توقيع المصالحة بين عزام الأحمد وصالح العاروري في مصر، إذ توجه الأخير مباشرة إلى تركيا محل إقامته ومنها على رأس وفد إلى إيران ليطلعهم على المستجدات ، مادحا إيران على ما تقدمه من دعم متواصل للمقاومة ، فإيران وتركيا يمثلان خصما لكل من السعودية ومصر عل حدا ، تلك حالة من اللااستقرار، فيما يخطط له من ترتيب ، في المنطقة ، وبذلك ما زالت حماس على منتصف الطريق وأقرب إلى محور تركيا ، منه إلى محور مصر، والعرب .
رابعا : الحالة الدولية : تعمل الولايات المتحدة ، وحسب تصريحات وزرائها المباشرة لإعادة رسم الخارطة السياسية للدول وللمنطقة ، ويتماشى مع ما أعلنه جورج بوش الأب حول العالم الجديد منذ عام 1990 ، وما صرحت عنه "رايس" بعد 15 سنة حول الربيع العربي وأسمته "بالفوضى الخلاقة" ، في الشرق الأوسط ، وذلك لإعادة رسم خارطة المنطقة ، وتتلخص اهتمامات الحالة الدولية الآن في المنطقة في إعادة ترتيب النفوذ والسيطرة على مناطق النفط والغاز وممرات العبور التاريخية ، وإنشاء ممرات عبور ونقل وسيطرة جديدة ، بالتالي ظهور حلفاء جدد ، بدأ التغيير في خطة الفوضى الخلاقة بما يسمى بـ "الربيع العربي" في غزة ، ولن ينتهي في سوريا .
تلك الحالة شكلت إنعكاس سلبي على قضية التسوية السلمية ، لتتحول في عهد "دونالد ترامب" إلى إدارة سلبية للصراع ، تصب بشكل تام لصالح سياسة إسرائيل ، حتى الداخلية منها ، معلنة كانت هذه السياسة أو خفية ، وما صرح به ترامب عن "صفقة القرن" لن تخرج عن السياسة العامة منذ 1990 حول "العالم الجديد" ، فقط هي مرحلة انتقال من الفوضى الخلاقة ، إلى عرض الحلول أو إلزام المنطقة بالحلول ، وهي تسويات ، وهذا بحاجة لبحث آخر له وقته إن شاء الله .
الخلاصة والنتائج :
فطنت حركة حماس إلى أن التغيرات الحاصلة في الإقليم لن تنتظر أحد ، وأن الترتيبات التي تتم على دماء الضحايا العرب ستطول الكثير من الكيانات ، أوطان وأحزاب وجماعات ، وأن الفرص أقل مما هو مرغوب ، وأن التهديدات توسعت ، حتى من أقطار عربية ، وقد زالت أقطاب تاريخية مثلت في فترات مختلفة دولا داعمة للقضية أو مانعه من النيل منها ، وأن ما قدمته حماس في هذه الفترة من تحولات في أسلوبها السياسي هو أقصى ما يمكن ، حيث ما زالت تحاول خلع ثوب الأخوان المسلمين عنها ، دون خلع الأفكار والمعتقدات .
تعمل دول العالم على حل الصراع الدموي في المنطقة ، على أساس تقسيم مناطق النفوذ فيما بينها ، ولا يبدو أن هناك حلول مرضية للقضية الفلسطينية في صفقة القرن ، التي لا تبدو إلى الآن أنها مختلفة عن سياسية الولايات المتحدة التي أطلقها جورج بوش الأب عام 1990 وأسماها بالعالم الجديد ، وفق سياسة الفوضى الخلاقة .
لا يبدو أن أمام الرئيس من خيارات سوى الدخول إلى خطوات إنهاء الانقسام ، أما المصالحة فلا تبدو أنها ستسير على نوايا حسنة .
نختتم بالقول : مع المخاطرة بعدم صفاء النوايا، فإن إنهاء الانقسام ممر إجباري على طريق المصالحة ، هذا الممر الذي سيؤدي لإبقاء فلسطين على الخارطة السياسية المحلية والدولية ، ويمكن أن يؤدي لتفاهمات حول رؤيا سياسية مستقبلية ، مع مراعاة أن فكرة إمداد الثورة من القاعدة تضعف باستمرار ، لذلك وجب إيجاد خطة لدعم المواطن الفلسطيني وتعبئته وتوجيهه ، قبل أن يُطلب من المواطن دعم التحول المستقبلي المحتمل أو رفضه ، وقبل الطلب بدعم توجهات القيادة ، وقد بات المواطن متشككا بأي لقاءات قد تفضي لمصالحة ، علها تعينه لمواجهة متطلبات حياته اليومية قبل أن تعينه على مواجهة الاحتلال .