ظاهرة التعدد الفكري ومأزق التطرف (الحلقة الثانية)...بــقــلم : العـمـيـد/ مـنـذر المـحـتـسـب
2018-03-19ظاهرة التعدد الفكري ومأزق التطرف (الحلقة الثانية)
بقلم العميد/منذر المحتسب
** المنطقة العربية الاستهداف الاول**
بعد انطلاق الفكر السياسي بأشكال جديدة من الأحزاب والحركات السياسية والجماعات العشوائية أخذ التنافس والصراع الفكري يستشري بين الشعوب ومنها دول العالم الثالث وتنطلق من بين ظهرانيها اتجاهات مختلفة فكرية واجتماعية وثقافية ، وتم إنشاء أحزاب سياسية قومية ودينية وماركسية وليبرالية وامتد ذلك إلى الدول العربية والإسلامية حيث شهد الوطن العربي ولادة الأحزاب القومية العربية وحركات التحرر الوطنية والاجتماعية والإخوان المسلمين وحزب التحرير والجماعات الصوفية والجهادية وغيرها مثل الحركات الدينية الصوفية والسلفية التي انقسمت إلى جهادي متطرف ودعوي خطابي أضافة الى فرق أخرى رفعت شعارات رنانة طنا منهم بأنهم عنوان الحق ولديهم ما سمي بحصرية الفكرة، ويصنف العديد بعض التنظيمات في انها مقاومة وجهادية، وأخرى أخذت طابعا طائفيا كحزب الكتائب، وجماعات وأحزاب وجدت في واقع معين أفرزه سلوك انظمة الحكم مثل حزب النهضة التونسي أو الجماعات المتطرفة التي وجدت لعدة سنوات في الجزائر، وقد كان لكل فريق من هذه الفرق فكره وولاءاته وأهدافه السياسية والاجتماعية وتحالفاته تختلف عن الأخرى
الجماعات التي شُكلت على أنها إسلامية من المسميات بأنها " جهادية " من قاعدة مرورا بجيش النصرة وجيش الفتح فتح الاسلام حتى داعش وتمركزت بشكل مركز ومخطط له في دول مستهدفة بحضارتها واكتنازها لأهم مكونات التاريخ الحضاري الثقافي والاقتصادي من سوريا والاردن والعراق ومصر والجزائر والصومال وليبيا واليمن وتونس حتى لبنان، وتكونت في أجواء مركبة اختلط فيها الحابل بالنابل حيث جمعت بينها سمات متشابهة في أن هذا التكوين وقع تحت تأثيرات متضاربة ومتداخلة ما بين الادعاء بالحق وخير الأمة والشرعي واللاشرعي، وبين الشعارات المنمقة والسطحية والبراقة وزعم هذه المنظمات المتطرفة الحرص على الإسلام والمسلمين ورفع الظلم عنهم وإقامة الدولة الاسلامية والخلافة حسب ادعاءاتها.
هذه المقاربات لهياكل ومسميات مجنحة من هنا وهناك من عناصر فوضوية هشة تجمع بينها صفات متعددة وإن ادعت اختلاف أهدافها وشعاراتها ولكنها بالنتيجة سعت إلى تخريب الاوطان وتمزيقها واضعافها وجعلها أرضا خصبة لعقليات تكونت على حب السيطرة بتمزيق الآخرين، واهمهم المحتلين لأراضي الغير بالقوة العسكرية والعصابات التي تم زرعها كجسم غريب عن المنطقة، وليس أدل على ذلك من التشابه بين سلوك وممارسات ونتائج هذا السلوك بين الصهيونية كفكر عدواني من جانب ومن جانب آخر الحركات المتطرفة التكفيرية التي انتشرت في كافة الدول التي كسر عضدها أحداث ما سمي الربيع العربي أو الضربات المتلاحقة من تحالفات دولية عدوانية جمعتها مصالحها فقط مستخدمة عناصر تحكم لنقاط ضعف أوجدت في بلدان المنطقة العربية وغير العربية.
إذن تتحقق ظاهرة صناعة التيارات المنحرفة فكريا بيد قوى ومحاور إقليمية دولية لدواعي متعددة إما لصناعة الأزمات المفيدة لتلك القوى أو لإشغال هذه الجماعات ببعضها بعيدا عن هذه القوى، إضافة الى تحقيق مكاسب ومصالح سياسية واقتصادية متكاملة بخلق بقاع استهلاكية لمنتوجاتها وثقافاتها عدا مكاسب أكبر أهمية وهي تجارة السلاح وقطع غيار عفا عنها الزمن بمليارات الدولارات المدفوعة من ثروات مسيطر عليها من أتباع متسلطين على خيرات البلاد مقابل هذه الاسلحة التي توزع لهذه الجماعات المتطرفة المتنافرة مع واقع شعوبها وطموحاتهم.
وللقارئ أن يتخيل أن يكون مصدر السلاح واحد لجهتين متناحرتين ، ويمكن ملاحظة أن انتشارها ارتبط بما تطرحه من أفكار وشعارات تستجلب بها ولاء الأفراد العشوائيين أو المأزومين عبر دخولها إلى أذهان هؤلاء بوسائل وأسباب مختلفة منها :
1- البيئات التي يعيش بها الأفراد المستهدفين السياسية ،الثقافية ،الاقتصادية والاجتماعية.
2- التناقضات بين الأحزاب والاتجاهات الفكرية المختلفة.
3- الاعتقاد أو الترويج بأن صاحب الفكر المتطرف واتباعه على حق أمام الآخرين بشكل أعمى.
4- الجهل والفقر أدى أحيانا كثيرة إلى انتشار تيارات فكرية لمجرد أنها طرحت شعارات براقة دون تنفيذ.
5- تعدد الجماعات الحزبية ومليشياتها أدى إلى وجود نهج تقليدي هو هيبة الزعامة بما عرف (الإمارة).
6- عدم قدرة النخب في المجتمع على الوصول الى الفئات الفقيرة أو صياغة أفكار بناءة وضعف الترويج لها.
7- وجود سيطرة خارجية على فئات تعاني من الجهل بموازاة ضعف القوى التقليدية.
8- الزيف والنفاق لدى القيادات والنخب ولد بيئة خصبة للتيارات متطرفة.
لقد أثبتت التجارب أن التحول الفكري يسري بسهولة وبعضها يتلاشى بنفس السهولة نتيجة عدة عوامل:
1- ضعف القيادات والمنظرين لها سواء بالخطاب او الشعار وينسحب ذلك على المسلكيات والوسائل .
2- سيطرة الاقتصاد على عقول الأفراد باعتبار المال هو الجاه وليس القيم واقتران صناعة الفكر بالمال وغالبا أفشلت المصالح هذه الجماعات ليصبح نهج التحول لمن يدفع أكثر.
3- اعتماد الكثير من هذه التحولات على ولاء أعمى للإمارة.
4- رفض الحوار والنقاش واعتبار آراء الآخرين باطلة.
5- سيادة معتقدات واعتبارها غير قابلة للنقاش وسرعان ما تتهاوى.
6- العشوائية والاعتباطية التي سادت هذه التحولات أدت إلى سقوطها أمام النظريات الفكرية الأكثر جذرية.
7- لجوء كثير من أصحاب هذه الظواهر إلى ارتكاب الجرائم البشعة أوقعها في مجال عداء الشعوب الحرة.
الأمر الذي يمكن استنتاجه هو أن العنصر الأساس في ولادة جماعات متطرفة ومنحرفة يرجع إلى ضعف برامج وسياسات الحركات السياسية، وكذلك انعزال الدول عن جماعاتها ومؤسساتها وبالتالي عن أفرادها بتركهم عرضة لأفكار اعتقدوا أي الأفراد أنها الأفضل لهم ولأمتهم التي ينتمون لها بصدق، والصدق هو الذي امتطى صهوته منظري الأفكار المتطرفة في ظل غياب الحركات والمؤسسات الفكرية عن معالجة ومتابعة أفكار واحتياجات وتطلعات الفئات التائهة بين تعدد وسقم الأفكار الدارجة والمتعددة أمام التحديات الماثلة أمامهم وأمام مجتمعهم.
التطرف سلاح الجهلاء:
أينما يعم الجهل أينما تسهل السيطرة وانتشار الآفات والتراجع الأخلاقي وقد ثبت بالتجربة أن كثير من الجهلاء بأضعف الايمان من العلم والدين والثقافة الأخلاقية يسهل اقتيادهم الى حيث يريد المسيطر عليهم وبافتراض ان المسيطر هو متعصب أو جاهل يقود صديقه الى متعصب متطرف فبتلك الحالة خضع المسيطر عليه للمسيطر، ويكفي التيقن بأن صاحب الأمر هو من العصابات المتطرفة المنتشرة بين صفوف الجهلاء، ومعه المال المأجور ليسخره في اتجاه سلبي.
لقد استمرأت الكثير من النفوس حالة الانقسام أو التنوع إلى أن تطورت إلى تشتت فكري وسياسي أدى إلى انقسام سياسي بين أحزاب مفترض توحدها، فئة الشباب داخل المجتمعات تتعرض لسياسات تجهيل وإفراغ ديني وذهني من التاريخ المشرف لأمتها وانجازاتها الحضارية، هذه السياسات استجابت لها فئات كثيرة بسبب قدرتها عبر وسائل الاتصال والاعلام الموجه في ظل جهل وتراجع ثقافي وطني وديني جامع، وأصبح هؤلاء الجهلاء أداة لمظاهر فوضى أخذت تنتشر في قطاعات مختلفة وفي بلدان كان الجهل والفقر ميزتها الاولى.
خلاصة
إن التطرف الناشئ في دول عربية وإسلامية متعددة ما كان ليستمر دون سوء الحال الحاصل على عدة مستويات في تلك الدول وأن سوء أداءها إداريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا لأفرادها وجماعاتها هو ما أدى إلى حدوث فجوة بين الطرفين، ولكن الأهم هو أين النخب الفكرية سواء الدينية والحزبية التي ممكن تلاقيها على مصالح واحدة مشتركة تجمع الجميع أمام التشدد والتطرف وتوحد كلمتهم ؟ لو كانوا قد جلسوا لساعات أو حتى لأيام لتلافي إفلات الأمور من أيديهم لأنهم هم من بادروا إلى ايجاد أو تمرير بعض الأفكار إلى شعوبهم ، والقصد هنا هو أن مجموع التيارات الدينية والحزبية والمذهبية معنية الآن وقبل فوات الأوان بجمع كلمتها على خط وسط وباعتدال للتعبير عن أن الإسلام ليس متطرفا وليس فيه من التطرف والتشدد من شيء ، وأنه دين التسامح مع الآخرين ليقطعوا الطريق أمام المنزلقين إلى شهواتهم الذاتية بحب التزعم ، وأمام المأجورين الساعين إلى التخريب وبعثرة الجهود والأفكار حتى تسلك الطريق أمامهم وأمام أطماعهم اللامحدودة في السيطرة على الشعوب وتوجهاتهم عموماً وعلى مقدراتهم خصوصا .
صحيح أن التطرف يسري بين الجهلاء والضعفاء ثقافيا وحتى دينيا إلا أنه له دافع خفي في نفس من يصاب به هو أنه إما يكون منبوذ أو منحرف أخلاقياً أو أنه يعاني من نقص وتيه وتشتت فيما يراه ويؤمن به بسبب الكثير من الاختلافات الفكرية والمذهبية وحتى الفقهية التي تبلورت دون قصد، بسبب أن الدين الإسلامي واجه الاجتهاد والتمذهب، ولكن لينتبه المهتمين وأصحاب الرأي والفكر أن ذلك أدى إلى تنوع خاطئ في بعض المعتقدات لدى جماعات اعطت نفسها حق الولاية والإمارة، واستغلت ما يعجبها ويحقق أجنداتها الخاصة محدثة حالة من التمييع والتشرذم في داخل المجتمع الاسلامي وحالة أخرى من الترويع من كل ظاهرة إسلامية، لقد تسللت الجماعات المتطرفة بين هذه التباينات الفكرية والمذهبية واستخدمت الدين كسلعة لترويج نفسها كبديل واستخدمت خزعبلات وألاعيب مستحدثة لملمت بها الجهلاء والضائعين تحت مسميات براقة ليتضح أنها تؤدي إلى ضرب القيم والدين في الصميم.
إن واقعا صعبا وصلت اليه الحالة العربية والاسلامية شعوبا وبلدان مزقتها حالات من مختلفة الشرخ والتمزق المذهبي والطائفي، نشأت الجماعات المتطرفة وسط زحام العداء والولاء بين هذه الجهة أو تلك بالتزامن مع تيارات موالية للغرب، وازدادت في خضم ذلك حالة الانقسام في النفسية العربية بين طبقات دون المتوسطة تبحث فقط عن المكسب والعدالة وبين حركات أو حتى أنظمة يهمها المكسب الشخصي لحسابات فردية عبر ترديد خطابات لا تسمن ولا تغني من جوع ، دون الالتفات لمواجع الأمة وأزماتها الحقيقية ودون النظر إلى الفئات الضعيفة المنتشرة في بقاع الأرض.
المصادر
- المبارك راشد، التطرف...خبز عالمي، دار القلم، ط 1،دمشق، 2006
- سالم احمد مبارك: الدراسة الاولى ,الانحراف والتطرف الفكري
- الطراح علي أحمد، نحو بناء مشروع وطني لمواجهة ظواهر العنف والتطرف والإرهاب، جامعة الكويت الدارسات الاستراتيجية والمستقبلية،4 200
- بكر ابو بكر : برنامج بلا قيود ،مقابلة تلفزيونية فضائية العودة، 15/03/2015 : https://www.youtube.com/watch?v=wevK7Qfgyxs
-