تابعونا
النزاهة من اسمى المبادئ التي يتوجب على كل عسكري الالتزام بها تحقيقاً للمصلحة العامة للدولة الفلسطينية، لتكون فوق أي مصلحة شخصية بما يقتضيه ذلك من الامتناع عن استخدام الصلاحيات الممنوحة للعسكري،من اجل تحقيق مصالح شخصية
الرئيسة/  دراسات

الروح المعنوية وعلاقتها المباشرة في الضبط والالتزام​.... اعداد عقيد/ محمود عبد الرحمن

2017-08-15

اعداد - عقيد محمود عبد الرحمن – مدير التدريب وتأهيل الكادر

يرى بعض من الدارسين والمشرفين على التدريب أنه يمكن للضبط والالتزام أن يتحقق من خلال معرفة الضابط بحقوقه وواجباته القيادية والقانونية والإدارية من جهة، ومن جهة أخرى معرفة الضابط بواجبات وحقوق الأدنى منه رتبة القانونية والإدارية واحتياجاته النفسية والاجتماعية والبيولوجية ، إلا أن تلك المعرفة تظل ناقصة دون الدافع الذاتي للالتزام، من قبل الطرفين ، كذلك ضرورة معرفة أسس التواصل وأساليبه المؤثرة، وغالبا ما يتأثر الأدنى رتبة بسلوكيات الأعلى رتبة – وهو المطلوب، عند إصدار أمر ما فإن المتلقي يأخذ الأمر ومعه إنطباع مسبق لمُصدِّر الأمر ولسلوكه ولأخلاقياته، ويقدِّر المتلقي مقدار الجدية والالتزام من صاحب الأمر، كما ويعكس المتلقي انطباعه المسبق وتقديراته على المهمة وقد يسقط نتائج عمله على قائده ، ويتأثر كل ما سبق بالروح المعموية.

 من ذلك التقديم جاء موضوعنا للحديث عن الروح المعنوية وكيف سيتمكن "المفوض" و "القائد" من تحقيق أعلى للضبط الذاتي ، وبنجاح أفضل للمهمة ، من خلال رفع الروح المعنوية .

1- ما هي العواطف.؟

حتى نفهم آلية عمل الروح المعنوية  كان لابد من التمييز بين عدة مصطلحات : الآراء والمشاعر والانفعالات والعواطف .

"العاطفة" مكونه من مجموعة متفاعلة من "قناعات" و "توجهات" و "مشاعر" و "أراء" و "أفكار" مسبقة ، و"العاطفة" اشد وأكثر استقرارا من المشاعر ، أما الانفعالات فهي آنية وتعد انعكاسا للعواطف أو للمشاعر التي تظهر على شكل سلوك واضح .

 إن انفعال الغضب آني وهو صورة وقتية لمشاعر سلبية تكونت مسبقا من شيء ما ، وانفعال الشغف صورة لمشاعر حب ، وما ندعيه قولا بأن عاطفة الناس مع موقف معين هو قول خاطيء ، فالتعاطف يتم لموقف آني ومحدد ووقتي وهو مجرد انفعال أو يعكس لمشاعر ، فهو مختلف عن العاطفة .  

مثال : حب الوطن "عاطفة" ، تكونت بالتربية والتنشئة والتواصل ، ممكن أن تكُون العاطفة كامنة أو مصاحبة لسلوك ما ، يتمثل السلوك من خلال الجوارح ، فحمل البندقية سلوك ضد العدو قد يكون مصحوبا بمشاعر الغضب وهو نتاج لحب الوطن ، أو بمشاعر النصر عند انتهائه وتتمثل صور الانفعال هنا بالإقدام أو الصراخ أو المشاركة في احتفال أو اطلاق النار بالهواء ، وصور الاشتباك هنا تمثل سلوك إيجابي ، أما الانسحاب كسلوك سلبي بسبب مشاعر الخوف من المعركة فيمكن التغلب عليها بالتحفيز حيث أن "العاطفة" تغلب "مشاعر" الخوف المؤقتة ، وتظهر صور التضحية مع مشاعر الغضب ضد العدو بصورة المواجهة والالتحام ، فللروح المعنوية في تحفيز الغلبة والنصر دورا في تكوُّن مشاعر وانفعالات دافعة لتحريك "العاطفة" وهي الأكثر ثباتا .

مثال : قد تكون عاطفة الحب كامنة ولا تظهر بشكل دائم ، كحب الأب لأبنائه ، أو الحب بين شاب وفتاة ، تسمح العادات بظهوره بالزواج . 

2- الروح المعنوية : وهي التي تشير إلى محصلة المشاعر والاتجاهات والعواطف التي تحكم تصرفات الأفراد ، فإذا كانت الصحة العامة تشير للحالة الجسمانية للفرد فالمعنوية تشير إلى الحالة النفسية الذهنية والعصبية العامة له ، وهي الصورة الكلية لنوعية العلاقات الإنسانية السائدة في جو العمل ، ويهتم  القائد بتنمية الروح المعنوية للآخرين التي هي غاية في الأهمية للوصول إلى المقاصد النهائية ، فمثلاً: الحوافز المادية كالغنائم والحوافز المعنوية التي أعطيت للجندي في بداية الدعوة والوعد بالجنة والنصر والمكانة الاجتماعية التي ينالها والمساواة بينهم وإعالة أهله في حالة الوفاة كانت تعتبر جميعها بواعث قوية لمعنويات عالية أدت للنصر.

 إن الوعود وتحقيقها ، وإن تأخرت ، فإنها تحقق حافزا دائما لرفع الروح المعنوية ، وتلخصت الروح القتالية في نشر الإسلام : الفوز بإحدى الحسنيين : النصر أو الشهادة .

لتوضيح فكرة الروح المعنوية وعلاقتها بالعاطفة والرأي العام والرأي الشخصي نوضح التالي : يمكن تشكل بعض الأفكار الجامعة التي قد تتكون من الرأي العام ، والعكس صحيح ، ولكن الأفكار والآراء لن تدوم كونها تكونت من رأي غالبا ما يكون عارضا ، ويخضع لأسس تكون الرأي العام الذي هو غير مستقر ، فالأفكار الجامعة اقل ديمومة من الاتجاهات الفكرية ، حيث نشأت الاتجاهات على مدى زمني اكبر ومن أراء وتأثيرات متواترة ومستمرة .

إن الآراء الفردية وحتى الآراء الشائعة لا تتغير ولا تتحول غالبا لرأي عام موحد وموجَّـه إلا بشروط ، وليس مجالنا هنا شرح تكون الرأي العام .

ما نؤكد عليه هو تأثير الاتجاهات الفكرية في الرأي العام وفي قوته واستمراره ، ومن المؤكد أن تتأثر الأفكار في الرأي العام وتكونه لكن دون استمراره ، ذلك ان الاتجاه العام  كاتجاه فكري  قد تكـوَّن ومعه عاطفة .

 إن عاطفة الاتجاه الفكري أكثر ثباتا ومحركة ومعطلة للرأي العام ، أما الرأي العام فيتأثر بالمشاعر والانفعالات التي هي اقل ثباتا .

مثال : رصد رأي الجنود حول قضية تمس وجودهم المرتبط بالعائلة أو بمن يحبونهم أو بالمؤسسة أو بالوطن سيكون ردود الفعل أكثر قوة وشدة ، حيث "عاطفتهم" الايجابية لحماية المؤسسة التي هي منهم ولهم ، كما أسرهم ، ولن تؤثر الآراء الخارجية السلبية فيها أو بتغيير حالة تلك العاطفة .

 إن استعدادهم النفسي للتضحية في سبيل قيم أسمى تكونت تلك القيم من منظومة يؤمن بها أصلا كعاطفة سابقة مما يؤدي الى اختلاطها بعاطفة التضحية الجديدة .

إن مدى ضعف أو قوة الشائعة وتأثيرها والتي تكونت من رأي عام مؤقت لن تُـؤَّثر بعاطفة التضحية  أعلاه  كقيمه ثابتة ، بل أنها ستتحكم بالرأي العام الناشئ والعارض المتكون من جراء الشائعه .

مثال : إن ثبات الاتجاه العام ضد "الفلتان الأمني" وثبات فكره والمتابعات الأمنية للخارجين عن القانون ستتغلب على الرأي العام القائل بفشل الحملات ، أي أن الاتجاه يتغلب على الأفكار ، والأفكار الداخلية تتغلب على الآراء التي هي خارجية ، وهنا يكمن ضرورة العمل على العواطف والتي منها : عاطفة الحب ويقابلها تشكيل عاطفة الكره ، عاطفة التضحية ويقابلها عاطفة الأنا،عاطفة الانتماء يقابلها عاطفة الاغتراب ، وهكذا .

فكيف يتحكم القائد/ المدرب / المفوض/ بتكوين العواطف والمشاعر لتظهر الروح المعنوية بصور قتالية متسمة بالإقدام والجرأة والتضحية .

مثال : ذكر الفريق سعد الدين الشاذلي عن كيفية تحفيز الجنود ووصف الضباط والضباط الميدانيين في حرب اكتوبر عام 1973 ، حيث قال : اجتمعت هيئة الأركان لمناقشة كيفية تحفيز المقاتلين أثناء اقتحام قناة السويس وخط دفاع بارليف بعد 15 دقيقة من بدء القصف ، والتي ستصاحب تكتيك الصمت اللاسلكي لأسباب أمنية ، وهي خطة تكتيكية خطيرة ، وانجاز السيطرة على الضفة الشرقية من القناة قبل مساء السادس من أكتوبر ، وأن يقدم المقاتل أعلى وأقوى نشاط يمكن أن يقدمه "بحب وإقدام وشجاعة وبأعلى سرعة وبأقل الخسائر" وخلصت القيادة إلى التالي :

1- التكتيك : أن يتم الهتاف بكلمتين مع بداية ساعة الصفر ، وهي: الله أكبر .. الله أكبر فوق كيد المعتدي، والتي ستعمل طيلة فترة العبور.

2- الاحتياج : أن توضع سماعات على طول جبهة القناة مع دورية متحركة.

3- الغاية : تحفيز المقاتل على الإقدام والتضحية بشجاعة وبسالة ، وبأعلى سرعة وبأقل الخسائر .

مع وجود اتجاه عام للقتال ، فقد أقدم الجيش على رفع الروح المعنوية من خلال تحفيز العاطفة الايجابية للقتال بتحويل المشاعر من ترقب وتوجس وتردد إلى مشاعر الجرأة والإقدام والتضحية وإظهار انفعالات الغضب اتجاه العدو .

مثال : خطة خالد بن الوليد في معركة اليرموك ، فقد أدخل ألف مقاتل على شكل مجموعات متفرقة (وهذا تكتيك) ، كل مجموعة من بضعة أشخاص ، فزادت عن مائة مجموعة ، وكان المدد يدخل لأرض المعركة بشكل متسارع ومتواصل ومن كل الجهات ، ونجحت تلك العملية بتشكيل رأي عام جديد للجيشين ، وأثرت بالتالي على الاتجاه العام للمقاتلين ، وعلى مشاعرهم وانفعالاتهم وكانت الغاية الأولى : رفع الروح المعنوية للمسلمين والتي حفزتهم على القتال بقوة وبسالة .

 أما الغاية الثانية : فقد أثرت سلبا على الروح المعنوية للعدو حيث تشكل اتجاه عام سلبي وهو الخوف من المدد المفاجئ .

مثال : معركة الكرامة حيث رد الرئيس الشهيد أبوعمار لمن تخوف من مواجهة الجيش الإسرائيلي : سنحفر بقبورنا النصر.. في حرب بيروت : سننتصر بالصبر والصمود .

ثانيا : أسس بناء الروح المعنوية ومظاهرها :

أ . تنمية الاتجاهات الفكرية النفسية الصحيحة لدى المقاتل : وهي مكتسبة وليست فطرية ويعرّف الاتجاه النفسي بأنه ميل عام مكتسب يؤثر في دوافع الفرد ويوجه سلوكه كالميل إلى هدف وغاية معينة تجعل الفرد يقبل بها أو يعرض عنها وهي حالة افتراضية أو متوقعة تعكس دافع و استعداد أو ميل لدى معظم أفراد الجماعة لتبني وجهة نظر لموقف لم يتحدد بعد وتنمّى الاتجاهات النفسية الإيجابية الصحيحة نحو فكرة إعداد القوة لحماية الوطن كما يلي:

1- بناء شخصية المقاتل على الإيمان في العقيدة والأخلاق والعمل على تنفيذ الواجبات وتحرير نفسية المقاتل من الموت وحب الدنيا .

2- توفير الصحة النفسية للمقاتل ليكون ذو شخصية سوية قادرة على التوافق مع نفسه ومع الجماعة التي ينتمي اليها.

ب . غرس عقيدة القتال : تعرف بأنها مجموعة من المبادئ والأفكار والاتجاهات التي يعتنقها المقاتلون والتي يحاربون من أجلها وتتميز بالآتي:

العقيدة الأمنية ، العقيدة العسكرية ، استراتيجية التجنيد والتدريب وغاياته المرتبطة بالعقيدة .

جـ. ترسيخ عدالة القضية وشرف المهنة وسمو الهدف : كلما أدرك (الجندي والضابط) أن الحرب التي يخوضها حرب عادلة وأن الهدف الذي يقاتل من أجله يستحق التضحية بحياته كان صادق العزم في القتال قادراً على مواجهة أقسى التحديات، فالمقاتل يدرك أنه يخوض حربا عادلة وشريفة الأهداف والوسائل وبذلك تتوفر جميع الظروف المناسبة لبث الروح المعنوية وتتلخص في الآتي:

1- شرف الاختيار والتكليف إحساس الجندي انه يحارب أعداء الله ثم الوطن وليس هنالك أعظم من هذا الإحساس ولا أقوى من توفير الحوافز المعنوية والدوافع النفسية نحو الاستبسال في القتال والدفاع عن الوطن ، والثقة بنصر الله أبلغ هذه الحوافز المعنوية وكمالها في نفس المقاتل  .

2- ان الترغيب بالحياة العسكرية هي من أقوى الوسائل وأبلغ الأساليب أثراً في تربية الجندي وتشكيله دينياً ووطنياً وعسكرياً، بالاضافة الى صقل شخصيته باتجاه المهمات العسكرية والمهارات وتذكيره دائما بانه ينتمي الى اشرف واقدس مؤسسة وطنية .

د . تنمية الإحساس بالخطر: تتم التنمية المستمرة في نفس المقاتل بحب الوطن وكراهية العدو وبذلك تتكامل الحوافز التي تحركها كراهية العدو مع الحوافز التي يحركها حب الوطن.

 إن أخطر ما تتعرض له الأوطان هي الغفلة عن الخطر المحدق بها من أعدائها والاستهانة بهذا الخطر قال تعالى ( وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً)

ه . غرس الثقة لدى الجندي بنفسه وبقيادته وبسلاحه  : تعتبر ثقة المقاتل بنفسه من حيث قدرته ومهارته القتالية وثقته بسلاحه وبقيادته كلٌ متكامل ومن أهم أسس بناء الروح المعنوية وتأتي هذه الثقة من عدة عوامل أهمها:

1- القناعة بالقائد وبسياسته : أثبت التاريخ أن اللحظات الفاصلة بين الهزيمة والنصر يقررها صمود القادة الأقوياء والمؤمنين بعدالة قضيتهم والثبات عليها.

2- القناعة بقدرته على الصمود والصبر : بغرس روح الصبر في نفس المقاتل لأن الصبر هو قوة الإرادة والعزم وأن يعود نفسه على الشدائد .

3- أن يعي ان السلاح مجرد أداة يمكن ان يتحكم بها ويسيطر عليها وليس فقط بنوعيتها ، وأن يعي أن السلاح مجرد قطعة تستمد قوتها من حاملها .

و. وضع الشخص المناسب في المكان المناسب : يختار القائد أشخاصا يتسموا بالثقة والقدرة على العمل ، أو يسند المهام لكل واحد من رجاله طبقاً لقدراته البدنية والفكرية والتخصصية.

ز . احترام كرامة الجندي: تبين الدراسات في علم النفس العسكري والتجارب الميدانية بأنه ليـس هناك شيء أصعب على نفس الجندي من أن تمس أو تهان كرامته فالإهانة للجندي تخفي في صدره قدراً كبيراً من المشاعر السلبية نحو قائده ولكي يحافظ القائد على كرامة جنوده واحترام شخصية كل واحد منهم يجب عليه مراعاة الآتي:

1-  الامتناع عن إهانة الجندي أو المس بكرامته ، وهذا لا يتنافى مع العقوبة.

2- منع الضباط وضباط الصف من استخدام الألفاظ البذيئة ، وتوعيتهم من الأساليب المنفرة ، والتشديد على أهمية المحافظة على كرامة الجنود وقدراتهم.

3- التواصل : هو من أهم الأسباب المؤثرة إيجابا ، ويمكن ان يتم بعدة طرق وباستغلال المناسبات ، مع الاحتفاظ بهامش بين الرتب .

ح . الاعتراف بالجهود ومكافأة أصحابها : وهو من أهم الأسس في بناء ورفع الروح المعنوية لأن أكثر ما يحبط الضباط والجنود ويؤثر على معنوياتهم إهمال القائد لجهودهم أو عدم الاعتراف بها .

ط . تحسين الحالة المعيشية للجندي: وهي مستوى الحالة المعيشية والصحية والمادية التي يعيشونها، لذلك فإن القائد الناجح هو الذي يضع تحسين الظروف المعيشية لجنوده في مقدمة وصلب اهتماماته اليومية ، كما أن اهتمام القائد بمشاكل جنوده الشخصية هي عنصر من عناصر بناء الروح المعنوية لدى الجندي الذي يشعر بأنه محل عناية قائده، وهذا لا يعني الرخاء، بل الإكتفاء بالحاجة وما يقابلها من القناعة.

Developed by MONGID | Software House