تابعونا
النزاهة من اسمى المبادئ التي يتوجب على كل عسكري الالتزام بها تحقيقاً للمصلحة العامة للدولة الفلسطينية، لتكون فوق أي مصلحة شخصية بما يقتضيه ذلك من الامتناع عن استخدام الصلاحيات الممنوحة للعسكري،من اجل تحقيق مصالح شخصية
الرئيسة/  اسرائيليات

مؤتمر معهد السياسات والاستراتيجية - المركز المتنوع "هيرتسليا" - المؤتمر السابع عشر – 2017 ... اعداد / عليان الهندي

2017-08-15

(الحلقة الأولى) عليان الهندي[1]

……………………………………………………………………………………………………………………………..

الجنرال هيرتسي هليفي - رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي: المصالح، وليس الأيديولوجيا، هي محرك عالم اليوم

…………………………………………………………………………………………………………………………..

عقد في معهد "السياسات والاستراتيجية" التابع للمركز  المتنوع "هيرتسليا"، المؤتمر السابع عشر ،من تاريخ 20-2262017، الذي حمل عنوان "الخروج من الظل". وشارك في المؤتمر 185 شخصية من إسرائيل وخارجها، كان من بينهم شخصيات أكاديمية وسياسية وعسكرية من أوروبا والولايات المتحدة وأسيا، وغيرها من الدول. وكما في الأعوام السابقة، كان الحضور العربي ضعيفا، لكنه مهم من الناحية الرمزية، حيث شاركت شخصيات أكاديمية من قطر والأردن، في حين اقتصر الحضور الفلسطيني على عضو اللجنة المركزية السابق لحركة فتح الدكتور نبيل شعث.

ألقيت في المؤتمر 43 محاضرة لمختلف أطياف النخب الإسرائيلية الحاكمة في المجالات الأمنية والسياسة والاقتصادية والاجتماعية، وشارك في هذه المحاضرات، شخصيات سياسية وعسكرية وأكاديمية من جميع التخصصات من أهمهم: رئيس دولة إسرائيل رؤبين ريفلين ووزير الدفاع أفيغدور ليبرمان ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود براك وأييليت شاكيد وغدعون ساعر وأقطاب المعارضة الرئيسية مثل إسحاق هيرتسوغ ويئير لبيد، وغيرهم. وعن الجانب العسكري حاضر رئيس الأركان الإسرائيلي غادي أييزنكوت ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الجنرال هرتسي هليفي وقائد سلاح الجو أمير إيشيل، وغيرهم، في حين لم يمثل الفلسطينيون من أراضي عام 1948 بهذا المؤتمر كما في السابق.

ونظرا لتعدد موضوعات المؤتمر وكثرتها، سألخص ما طرح بالمحاضرات عن الشأن الفلسطيني، باستثناء ترجمة محاضرة رئيس جهاز الاستخبارات العامة الجنرال هيرتسي هليفي، لأنها تعبر بشكل أو بأخر عن المواقف الإسرائيلية الرسمية المختلفة من القضايا المطروحة في الساحتين –الفلسطينية والعربية.

وأخيرا وعند الصياغة، استخدمت نفس المصطلحات الإسرائيلية، مثل يهودا والسامرة وشرقي القدس، وغيرها من المصطلحات، بهدف طرح الموقف كما هو من دون أية إضافات خاصة مني. مع العلم أنني أرفض بشكل مطلق تلك المصطلحات لأنها تعبر عن رواية يهودية كاذبة ومزورة.

القضية الفلسطينية في حوارات وكلمات المتحدثين

الجنرال هيرتسي هليفي - رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي

ذكر الجنرال هيرتسي هليفي في تقييمه الشامل للأوضاع في المنطقة أن المصالح ،وليس الأيديولوجيا، هي محرك عالم اليوم. وأضاف، أن الدول العظمى منشغلة اليوم بمشكلتين أساسيتين هما :الصراع الأوروبي-الروسي على أوكرانيا، والصراع المحتدم بين الصين والولايات المتحدة للسيطرة على بحر الصين الجنوبي. والدول المذكورة منشغلة بحوار بينها للتوصل لقائمة مصالح مشتركة في منطقة الشرق الأوسط، وليس بالمشاكل المندلعة فيه.

وأضاف أن المنطقة تشهد أربع  ظواهر دينية سياسية هي:

1. الدول السنية البراغماتية، التي بدأت بالتبلور في معسكر، يحددون فيه الأصدقاء والأعداء، والخلاف مع قطر يثبت ذلك.

2. المحور الشيعي، يضم إيران وحزب الله –المهدد الإساسي لاستقرار المنطقة ودولة إسرائيل، وستزداد خطورة إيران بعد عشرة أعوام عندما تملك القدرات النووية العسكرية. ويتوزع النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان، وتحاول التأثير بما يجري في باب المندب، وإذا أراد العالم منطقة شرق أوسط من دون حروب، فعليه عقد تحالفات لوقف تمدد النفوذ الإيراني.

3.الاخوان المسلمون، الذين فقدوا في السنوات الخيرة الكثير من قوتهم، وحماس هي الأكثر تضررا من وراء ذلك. ويتغذى تيار الأخوان المسلمين كثيرا من الفقر المنتشر في الشرق الأوسط، وهو قاعدته الطبيعية.

4.        اللابسون السواد - داعش والقاعدة وأخواتها، بدأت قوتهم بالتراجع، ويفقدون المناطق التي يسيطرون عليها. وتعتبر التنظيمات المذكورة مشكلة دولية تتم مواجتها بالقوة العسكرية، التي حققت نتائج وانتصارات ضدها. ولن تنتهي هذه التظيمات حتى لو تحقق النصر الشامل عليها، لكنها ستلائم نفسها مع الواقع الجديد.

"يهودا والسامرة": وذكر هليفي إن إسرائيل واجهت "الإرهاب الفلسطيني" خلال العامين الماضيين بعمليات استخبارية وتنفيذية ومدنية -من قبل "الإدارة المدنية". كذلك نجحت إسرائيل في الفصل بين الإرهاب وبين السكان والحياة الطبيعية. وأشير أن الإجراءات الإسرائيلية، لا تقضي على الإرهاب، لكنها تبعد الفوضى والمشاكل.  

قطاع غزة: وذكر أن إسرائيل أدخلت لغزة أكثر من سبعة ملايين طن من الاسمنت والحديد ومواد البناء (برج خليفة كلف نصف مليون طن من مواد البناء)، لم تذهب كلها لصالح سكان القطاع، حيث لم تبن المدارس والمستشفيات. والسؤال هو: كل ما أُدخل لقطاع غزة صب في مصلحة السكان. الجواب لا. وأشار هليفي، أن لا مصلحة إسرائيلية بحدوث أزمة إنسانية في القطاع، وتحب أن تكون هناك حياة، وندرك أن اليأس يدفع الناس إلى أماكن غير جيدة، ومشكلة الكهرباء تعبر عن ذلك بشكل كبير. وفيما يتعلق بمشكلة الكهرباء، اوضح هليفي، أن حماس تستخدمها لإنارة الأنفاق وليس لإنارة قطاع غزة. وطلب هليفي من الجميع العمل على تحسين الأوضاع في قطاع غزة خوفا من الانفجار. وقال هليفي، علينا تخيير حركة حماس، إما تحسين وضع قطاع غزة وبين البحث عن القوة الواجب مواجهتها. وفي نفس الوقت، على الجمهور في قطاع غزة وضع حماس امام مسئولياتها، ويوضح لها ماذا يريد. كما تستطيع الدول السنية، وفي مقدمتها مصر، المساهمة في تحسين الأوضاع من خلال منع تسليح حركة حماس.   

الإرهاب: وحول الإرهاب ذكر هليفي، أنه يزدهر وسيبقى، بواسطة الدولة الإسلامية وطالبان والقاعدة وأخواتها المنتشرة في كل أنحاء العالم.  وقال أن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" خسر العراق وتتراجع قوته في سوريا، والضغط الكبير على الموصل والرقة سيولد موجة إرهاب قوية في الغرب. وقال أن الارهاب يتغير، لكنه لن يختفي، وتطور مختلف الدول وسائل لمواجهة الارهاب الذي ينفجر بين الفينة والأخرى. وعلاوة على ذلك، يمزق الارهاب العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن، ويزرع الخوف ويشوش الحياة العامة ويفرض منطق عدم وجود الأمان، ولذلك يجب منعه من تحقيق أهدافه.

مؤسسة الدولة: ونوه هليفي أن مؤسسة الدولة في منطقة الشرق الأوسط تتراجع، وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" مسح الحدود بين سوريا والعراق بواسطة الجرافات، ونتيجة للحرب الدائرة انفجرت أزمة هجرة وإرهاب خاصة في أوروبا.

مكانة المؤسسات الدولية: لم تعد المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات ،التي أسست بعد الحرب العالمية الثانية، جاهزة وقادرة على إدارة ومواجهة ظاهرة التنظيمات والحرب التكنولوجية. وعلى سبيل المثال، تصدر قوات اليونفيل الموكلة بالمحافظة على السلام في جنوب لبنان، تقارير كثيرة تفيد بإلتزام حزب الله بوقف إطلاق النار، وبعدم وجود قواعد له في جنوب لبنان. لكننا نشهد إنشاء مصانع أسلحة برعاية إيرانية، وترسل هذه الأسلحة إلى جنوب لبنان، وحزب الله موجود على بعد حجر من الحدود الإسرائيلية بفضل تعاونه مع منظمة بيئة دولية. وعلى قوات حفظ السلام الدولية منع الحرب وليس المحافظة على وقف إطلاق النار.

الشرق الأوسط: وذكر هليفي في تقييمه، أن سكان الشرق الأوسط يشكلون 5% من مجموع سكان العالم، وكان 30% من ضحايا الإرهاب في العالم منه، فيما جاء 6% من لاجئي العالم من تلك المنطقة. وهناك شرقان أوسطيان هما :الأول، ذو دخل منخفض مثل مصر (3700 دولار) والأردن (5100 دولار) وغزة (1800 دولار) والسلطة الفلسطينية (3800 دولار). والثاني، وهي دول ذات دخل مرتفع مثل السعودية (20 ألف  دولار) وإسرائيل (36 الف دولار) والإمارات (38 ألف دولار) وقطر (60 ألف ولار). وفي الوسط لبنان الذي بلغ دخل المواطن فيها 11 ألف دولار، الذي عليه الاختيار، إما الوقوف مع الدول الفقيرة، أو الوقوف مع الدول الغنية، وعلى العالم مساعدة لبنان في التصدي لحزب الله.

وبخصوص الصراع داخل الدول الغنية في المنطقة، قال هليفي أن تركيا (بلغ دخلها 700 مليار دولار) تخوض صراعا بين إرث اتاتورك وحاضر أردوغان، بينما تخوض إيران (بلغ دخلها 400 مليار دولار) صراعا بين التيار الإصلاحي والتيار المحافظ الذي يقوده الإمام علي خمينائي الذي يعاني من أمراض عديدة وصحته غير جيدة، في حين تواجه السعودية (بلغ دخلها 600 مليار دولار) صراعا داخل العائلة المالكة بعد تعيين الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد، بدلا من الأمير محمد بن نايف، الذي يريد نقل السعودية لعالم ما بعد النفط.

وفيما يتعلق باقتصاد الشرق الأوسط: ذكر هليفي أن اقتصاده يضعف، ما يؤدي لتزايد نسب البطالة فيه. ويعاني الشرق الأوسط من زيادة نسب جيل الشباب مقارنة مع أوروبا، وهو جيل محبط ويجد صعوبة في تطوير نفسه. كما تقام المدن على المناطق الزراعية من دون توسيع البنى التحتية أو وجود أي تخطيط هيكلي، ما يدفع لزيادة التطرف وتجنيد المتطرفين. ويعتمد اقتصاد الشرق الأوسط على النفط، من دون بديل آخر. ووصلت نسبة النمو عام 2017 إلى 2.3، بعد أن كانت قبل عام 2011 أكثر من 3.8. وإجمالا يمكن القول، أن انتشار الفقر واليأس يزعزع الاستقرار ويعزز دور المتطرفين             

التسلح في المنطقة: تحدث هليفي أن المنطقة تشهد توجها متزايدا نحو التسلح، وإذا ربطنا ذلك مع الوضع المتفجر فيها، فذلك يعني أن الكثير من هذه الأسلحة ستسرب إلى التنظيمات والدول المتحاربة في المنطقة.

وأضاف أن إيران من الدول المصنعة للأسلحة في المنطقة، وتقوم بتوزيعه على التنظيمات غير المسئولة، من ضمنها أسلحة مزودة بتكنولوجيا دقيقة التصويب. وعلى إسرائيل الاهتمام بما يجري ومراقبة صاروخ زلزال 3 الذي يبلغ مداه 200 كم، المتوفر في ثلاث دول هي سوريا ولبنان واليمن، ويهدد 20 دولة في المنطقة. كما تراقب إسرائيل باهتمام بالغ إطلاق صاروخ متوسط المدى (700 كم) على سوريا الذي تعتبره رسالة لها. إضافة للتسليح، لإيران وجود عسكري في منطقة الشرق الأوسط، حيث يتواجد 2500 مستشار أمني، وتمول وجود 40 ألف جندي في المنطقة، مكونين من الحرس الثوري ومليشيا من أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان وغيرها، ما يحولها إلى الدولة الأولى المهددة والمزعزعة للاستقرار.

وتساهم إيران في تمويل الجهاد الإسلامي بنسبة 70% في حين تمول حزب الله بنسبة 75% وحماس بنسبة 45%.  

الحرب التكنولوجية: يواجه العالم اليوم، حربا من نوع أخر ، متمثلة بشن هجمات اليكترونية على المؤسسات الخاصة والعامة، ما يتطلب مواجهة وتحصيص موارد لمواجهتها. ولا بد من الإشارة أن مواجهة مثل هذا النوع من الحروب ستزيد من مستوى الأمن والتنمية الإقتصادية.

انعكاسات على إسرائيل: للوضع القائم في المنطقة انعكاسات على إسرائيل هي:

أ‌. القوة العسكرية الإسرائيلية تردع أعداءها، إن كانوا تنظيمات أو دول. لكن عدم الاستقرار الأساسي وكثرة اللاعبين من التنظيمات وعمليات بناء القوة التي تتم من قبلها، تزيد من احتمالات اندلاع حرب، مع العلم أن شن حرب على إسرائيل منخفضة إن كانت من دول أو من تنظيمات، وهنا لا أنصح أعداءنا بتجريتنا، ولو كانوا يعلمون ما نعلم عنهم، لعملوا كل شيء لمنع المواجهة القادمة. وإعادة بناء القوة في غزة ولبنان "للقوى غير المسئولة" لايجاد نوع من الردع، ربما يدفع نحو التصعيد القادم.

ب‌.  تتدخل إيران في كل الأوضاع السيئة في المنطقة، وتعتبر المزعزع رقم واحد للاستقرا ر في المنطقة من العراق حتى اليمن.

ت‌. هناك محاولات لتشكيل تحالف دولي لمواجهة التهديد الإيراني، لزيادة الضغط عليها لتعديل مواقفها حتى لو كان ثمن ذلك الضغط أزمة.

ث‌. سوريا – تنظيم الدولة الإسلامية يتراجع، وفي نفس الوقت تزداد قوة النظام، لكن الصراع لن يحل في المستقبل القريب، إلا إذا اتفقت القوى العظمى على ذلك.

ج‌.        لبنان – الذي يعاني من أزمة الخطف من قبل حزب الله وإيران، اللتان تزداد قوتهما فيه. وعلى العالم، دفع لبنان إلى الاختيار بين إيران السيئة وبين العالم الجيد.

 

خلاصة: اعتبر هيرتسي هليفي أن إسرائيل اليوم أقوى من كل اعدائها بعدة مرات، بفضل قوتها العسكرية والتكنولوجية وحصانتها الوطنية. لكن عليها الانتباه من أعدائها، ولن يتحقق ذلك، إلا بجهود واستثمارات في كل المجالات. ونتيجة ذلك، أنصح كل أعداءنا بعد استفزازنا.

وقال أن التفوق العسكري الإسرائيلي الواضح يمكن إسرائيل من إلحاق الأذى بأعدئها إذا تطلب الوضع ذلك، وفي حال تعرضها للأذى، تستطيع إصلاح كل شيئ بسرعة، على عكس اعدائها.

وأضاف أن المنطقة، تقف اليوم على مفترق طرق، تتطلب من دولها أخذ مستقبلها بيدها، واختيار الطرق والخيارات الصحيحة لقطع دابر الارهاب ومحاربة المحرضين والمشاركين في زعزعة استقرار المنطقة ووضع مصلحة السكان، قبل بناء القوة العسكرية. 

اليوم تعقد تحالفات إقليمية على أسس المصالح المشترك، وعلى إسرائيل استغلال الوضع لتكون جزءا من هذه التحالفات، خاصة أنها تضم أطراف عديدة. وربما يدفع هذا التحالف الذي سيضم إسرائيل إلى علاقات إقليمية جديدة تساهم في الاستقرار والازدهار السياسي.

وفي مجال مكافحة الارهاب، يقف المجتمع الدولي والمؤسسات التي يشرف عليها، أمام مفترق طرق، تتطلب وضع الخطط والمشاريع لمواجهة التنظيمات التي لا تحكم دول.   


[1]. كاتب وباحث في الشئون الإسرائيلية – فلسطين 

Developed by MONGID | Software House