تابعونا
النزاهة من اسمى المبادئ التي يتوجب على كل عسكري الالتزام بها تحقيقاً للمصلحة العامة للدولة الفلسطينية، لتكون فوق أي مصلحة شخصية بما يقتضيه ذلك من الامتناع عن استخدام الصلاحيات الممنوحة للعسكري،من اجل تحقيق مصالح شخصية
الرئيسة/  اسرائيليات

إسرائيل والإسلام السياسي بين المواجهة والتعايش... اعداد/ عليان الهندي

2017-10-23

إسرائيل والإسلام السياسي بين المواجهة والتعايش

اعداد – عليان الهندي – وحدة الدراسات العبرية

(الحلقة الأولى)

أعادت الحركة الصهيونية، ومن بعدها دولة إسرائيل كتابة تاريخ العلاقات بين الإسلام واليهودية من جهة، وبين المسلمين والعرب مع اليهود من جهة أخرى، بهدف خلق "إجماع وذاكرة وطنية يهودية" ضد عدو مستقبلي حدد بالعرب والمسلمين.

 ونتيجة للتاريخ الجديد فقد اليهود مكانتهم الرفيعة والمتقدمة بين العرب في الجزيرة العربية بعد ظهور الرسول الكريم محمد (عليه الصلاة والسلام). كما أشارت المصادر الإسرائيلية المختلفة إلى أصناف التمييز العنصري والعرقي والديني التي مرت على اليهود في العصور الإسلامية المختلفة، متجاهلة في نفس الوقت، أن اليهود عاشوا في ثلاثة عصور ذهبية وفق تصريحات الرئيس الإسرائيلي الأسبق موشيه قصاب هي :الأول، في الاندلس حيث حارب اليهود ولأول مرة بتاريخهم إلى جانب المسلمين، الثاني، في الولايات المتحدة، والثالث، في دولة إسرائيل التي أنشأت بعد تدمير وتشريد الشعب العربي الفلسطيني.

 كما تجاهل التاريخ المذكور الدور الاجتماعي والثقافي والاقتصادي الذي لعبه اليهود في المجتمعات العربية والإسلامية التي رفضت أن ينغلق اليهود في حاراتهم وأحيائهم.

لكن انهيار الإمبراطورية العثمانية ومعها الإسلام كمرجعية حكم، أعفى الحركة الصهيونية ومن بعدها دولة إسرائيل، من وضع الإسلام والمسلمين بشكل عام في خانة الُمهددين، التي حل مكانها العرب والدول والحركات الوطنية خلال العقود الستة الماضية.

ومع اندلاع الثورات العربية، وبروز تيارات الإسلام السياسي خاصة الأخوان المسلمين كأكبر المنتصرين فيها، عادت إسرائيل إلى إعادة إنتاج روايتها التقليدية عن الإسلام والمسلمين والعرب، معتبرة ما يحدث تهديدا لها، مع بصيص أمل لتعايش فرضته اتفاقيات السلام وغيرها.

ويرصد التقرير التالي رؤية إسرائيل لتيارات الإسلام السياسي، وكيف ستتعامل معها في حالة التهديد أو التعايش  

 

** تأسيس وتصنيف

تشير المصادر الإسرائيلية المختلفة، الى أنه لا توجد للإسلام السياسي جذور تاريخية عميقة في الفكر والحياة الإسلامية، وأنه أسس بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية بعقد من الزمان تقريبا، ولم يقم بأي دور في الصراع العربي الإسرائيلي حتى نهايات العقد السابع من القرن العشرين بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وتشكيل حركة الجهاد الإسلامي وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الضفة الغربية وقطاع غزة في ثمانينيات القرن الماضي . ما دعاها للنظر إليه كتهديد مستقبلي، مفترضة أن تيارات الإسلام السياسي ستكون أحد أهم أطراف الصراع المستقبلي.

وازداد الاهتمام الإسرائيلي بهذه التيارات بعد حالة الشيخوخة التي مرت بها الأنظمة العربية في العقدين الأخيرين، التي استغلت هذه التيارات في تحقيق مهمتين تمثلتا في :قمع قوى المعارضة المختلفة، وإخافة الغرب من "الإرهاب الإسلامي". لكن النجاحات الكبيرة التي حققها الإسلاميون بالعقدين الأخيرين في كل انتخابات جرت في الدول العربية (الجزائر وتونس والمغرب ومصر) دعت إسرائيل لدراسة هذه التيارات التي من أهمها:

التيار الإسلامي "المتطرف" :الذي أسس فعليا من قبل المخابرات الباكستانية، التي أنشأت حركة طالبان في ثمانينيات القرن الماضي لمحاربة الاحتلال السوفييتي لأفغانستان. وانضم لحركة طالبان عشرات ألاف الشبان العرب (40% سعوديون و 30% مصريون و 20% من المغرب العربي و 10% من مسلمي شرق أسيا وبقية العالم). وبعد عودتهم لأوطانهم، أسس أسامة بن لادن في أوائل عام 1990 تنظيم القاعدة (10% من قادته جاؤوا من مدارس دينية و 90% منهم من أصول علمانية و 60% من هذه القيادات سعودية ومصرية و 30% من المغرب العربي و 10% من جنوب شرق أسيا) التي وضعت نصب عينيها إنهاء النفوذ الغربي الصليبي في العالم الإسلامي وتحرير فلسطين وإقامة دولة الخلافة فيها، واتبعت "الإرهاب" الداخلي كأسلوب عمل لتحقيق أهدافها. ورغم الأهداف المذكورة لم يشن التنظيم أية هجمات على إسرائيل ومصالحها المختلفة، ما دعا الدولة العبرية للاهتمام بالبعد الأيديولوجي للتنظيم الذي رفعت فئة قليلة منه لواء الجهاد الإسلامي العالمي مثل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري . 

الإسلام السياسي المعتدل (وفق المفاهيم الغربية وليست الإسرائيلية) الذي أسس عام 1928 من قبل حسن البنا أول مرشد عام لحركة الإخوان المسلمين بمدينة الإسماعيلية في مصر، والذي أعطى أفضلية للعمل السياسي للوصول إلى الحكم بوسائل سياسية، من دون عنف الذي نبذه كمنهاج عمل. لكن، قدرة التنظيم على البقاء، وشن تنظيمات إسلامية متشددة هجمات على المصالح الأمريكية والغربية في العقدين الماضيين، وحالة الشيخوخة التي مرت بها الأنظمة العربية، دفعت الغرب للطلب من الأنظمة العربية دمج تيار الإسلام السياسي، خاصة الإخوان المسلمين في الحكم بالوطن العربي بهدف :تليين مواقفهم والمساهمة في اللعبة الديمقراطية، وإشراكهم في مواجهة الحركات الإسلامية المتطرفة. لكن إسرائيل رفضت ذلك، وطلبت الاعتراف بها كشرط مقابل مشاركتهم في الحكم .

ولم يؤخذ موقف الإخوان المسلمين الرافض لاتفاقية كامب ديفيد واعتبار إسرائيل كيان غير شرعي ورفضهم لحقها بالوجود، على أنه تهديد لإسرائيل، نظرا لعدم ترجمة مواقفهم، لفعل عسكري يهدد وجودها. واكتفت بمتابعة تطور ونمو هذه الجماعة إعلاميا وفكريا وشعبيا خارجيا وداخليا، موجهة أسلحتها وقوانينها ضد الحركة الوطنية الفلسطينية بقيادة الشهيد ياسر عرفات.

وفي المقابل، راقبت إسرائيل تطور ونمو تيار الإسلام السياسي الفلسطيني بشقيه داخل فلسطين المحتلة عام 48 وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، الذي يعود بجذوره لحركة الإخوان المسلمين. وكان بداية نشاط هذا التيار في نهايات عام 1979 عندما أسس الشيخ نمر درويش "أسرة الجهاد" بهدف القضاء على دولة إسرائيل. لكن القبض على هذه المجموعة، أنهى الشق العسكري من نشاطهم، وحولهم إلى النشاط الاجتماعي والسياسي الرسمي في إسرائيل. أعقب ذلك انشقاق غير معلن في صفوف الحركة الإسلامية داخل فلسطين عام 1948 بين تيار يدعو للمشاركة في الانتخابات للكنيست الإسرائيلي، وبين تيار أخر يقوده الشيخ رائد صلاح الذي استعان بفتوى من الشيخ يوسف القرضاوي تحرم المشاركة فيها، نظرا لقسم الإخلاص لدولة إسرائيل من قبل أعضاء الكنيست .

وفي نفس الوقت راقبت إسرائيل، تطور ونمو الإسلام السياسي خاصة الجماعات التابعة للإخوان المسلمين في الضفة الغربية وقطاع غزة، الذين لم يشكلوا لها أي تهديد حتى أواخر الثمانينيات، إلى أن شكلت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وتبنت الكفاح المسلح كسبيل وحيد في مواجهة الاحتلال. ما دفعها إلى حظر نشاطاتها واعتبارها خارج القانون. ويمكن القول أن إسرائيل تعاملت مع حركة حماس بعدة مراحل هي :الحظر والمحاربة، وإدارة الصراع، والبحث عن آليات تعاون معها، خاصة بعد فوز الحركات الإسلامية المؤيدة للإخوان المسلمين في الانتخابات التي جرت بعد الربيع العربي في تونس والمغرب ومصر . 

وانشق من رحم الإخوان المسلمين في الضفة الغربية وقطاع غزة حركة الجهاد الإسلامي التي أسست عام 1981 من قبل الدكتور فتحي عبد العزيز الشقاقي، مستلهمة في تأسيسها انتصار الثورة الإيرانية. وكانت حركة الجهاد الإسلامي أول تنظيم إسلامي يتبنى الجهاد ضد إسرائيل، وتعتبره من أكثر التنظيمات الفلسطينية "تطرفا"، نظرا لتركيزه على الجهاد ضد إسرائيل، وعدم اهتمامه بالنشاط الدعوي والإجتماعي كالذي تقوم به حماس . 

الإسلام السياسي الشيعي :الذي تكون بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ووضع في مقدمة أولوياته محاربة نفوذ الولايات المتحدة (الشيطان الأكبر) في المنطقة وتحرير كل فلسطين. ونظرا للمكانة الدينية والسياسية لرجال الدين خاصة أيات الله في المذهب الشيعي، حذت كل المرجعيات الشيعية غير الإيرانية حذوهم في تحديد الولايات المتحدة وإسرائيل كأعداء للإسلام والمسلمين، بدلا من الاهتمام بالقمع الذي مارسته الأغلبية السنية بحقهم في الوطن العربي . ونتيجة ذلك، أصبحت إيران تهدد إسرائيل في ثلاثة محاور هي :دعم ما تسميه المنظمات "الإرهابية" مثل حزب الله وحماس، البحث عن مكانة إقليمية قائدة تضع على رأس أولوياتها تحرير فلسطين، والمشروع النووي الذي تخشى إسرائيل امتداده لدول المنطقة، ما يشكل تهديدا جديا لوجودها .

ولرغبتها في تصدير الثورة ساعدت إيران في عام 1982 بتأسيس حزب الله الشيعي في لبنان كحركة إسلامية ذات أيديولوجية متطرفة، تؤمن بولاية الفقيه كمقدمة لعودة المهدي المنتظر، وبالجهاد كوسيلة لإقامة الدولة الإسلامية التي لا يمكن لها أن تتحقق سوى في محاربة النفوذ الأمريكي في المنطقة ومسح دولة إسرائيل عن الخارطة التي وصفها أمينها العام حسن نصر الله بـ "بيت العنكبوت".

** الدور الإسرائيلي في تقوية الإسلام السياسي

كانت المطامع الغربية والصهيونية في فلسطين من أهم العناصر التي ساهمت في تأسيس تيارات الإسلام السياسي لمحاربة الأطماع الغربية في الوطن العربي وفي فلسطين على وجه الخصوص. وازدادت هذه التيارات قوة بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان في حرب عام 1967 من قبل إسرائيل وسيطرتها على ثالث أقدس الأماكن عند المسلمين (الحرم القدسي الشريف) وفرض شراكة يهودية في كثير من الأماكن المقدسة للمسلمين مثل الحرم الإبراهيمي الشريف. كما ساهمت الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على المسجد الأقصى في تنظيم الاحتجاجات والمظاهرات التي عززت من قوة التيارات الإسلامية، وفي إظهار عجز الأنظمة العربية في تحرير القدس وفلسطين، ما مكنها من طرح نفسها كبديل لها.

وساهمت الحروب المتكررة التي شنتها إسرائيل في الساحتين اللبنانية والفلسطينية، وقصف المشاريع النووية العربية في العراق وسوريا، والقيام بعمليات اغتيال بحق بعض القيادات الفلسطينية في الدول العربية، في إبراز عجز الأنظمة العربية وإظهارها على أنها متعاونة مع إسرائيل، وهو ما استغلته تيارات الإسلام السياسي في تعزيز مواقعها في الوطن العربي. واللافت للنظر في السياق المذكور، أن إخراج المقاومة الفلسطينية بقيادة الشهيد ياسر عرفات من لبنان، أوجد تيارا لا يقل شراسة في مقاومته لإسرائيل وهو حزب الله. فيما أدى اغتيال الرئيس الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات عام 2005 إلى تعزيز دور حركة المقاومة الإسلامية "حماس" كأحد التيارات الأساسية في الحكم والمقاومة الفلسطينية .  

وأشير هنا الى أن الشرط الإسرائيلي باعتراف الإسلام السياسي باتفاقيات كامب ديفيد ورفضه لذلك، ساعد في تكوين صورة عند الشعوب العربية أن التيار الإسلامي هو الوحيد القادر على مواجهة النفوذ الغربي في المنطقة، والتصدي للغطرسة الإسرائيلية التي تعتدي بشكل ممنهج على العرب والفلسطينيين.

وأخيرا، لا بد من الإشارة الى أن إسرائيل وبسماحها لتيار الإسلام السياسي في فلسطين الذي مثله الإخوان المسلمون بحرية العمل وبناء المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والأكاديمية الخاصة بهم في الضفة الغربية وقطاع غزة لمواجهة وإضعاف نفوذ م.ت.ف خلال سبعينيات وحتى أواخر ثمانينيات القرن الماضي، ساهم بتعزيز قوتهم في كل فلسطين التاريخية .

 

** الوصف الإسرائيلي للتيارات الإسلامية

نجحت إسرائيل خلال العقود الثلاثة الماضية في جعل الغرب يتبنى مصطلح "الإرهاب الإسلامي" والتحريض عليه من قبل أجهزة الحكم والنخب السياسية والأطر الأكاديمية وحتى الشعبية. ولم يفرق المفهوم الإسرائيلي بينهم أو يصنفهم ما بين معتدل ومتطرف. ووصل التحريض ذروته بادعاء أن المسلمين في أوروبا البالغ عددهم 20 مليون يسعون إلى تحويل بعض هذه الدول لإسلامية خاصة فرنسا التي يبلغ عدد المسلمين فيها 7 ملايين مسلم تقريبا .

وفي سياق منفصل، وصف العربي بسبب موروثه الاجتماعي وأيديولوجيته الإسلامية التي لم تصل لمستوى الحضارة العالمية، بالتخلف والخضوع لحكام مستبدين .

وعندما اندلعت الثورات العربية، وظهرت القوة الانتخابية لتيارات الإسلام السياسي، تنافس أصحاب القرار والمختصون الإسرائيليين في إطلاق الصفات عليهم مثل المحافظين الجدد والتقليديين والذين لا يؤمنون بالديمقراطية التي يعتبرونها وسيلة للوصول إلى سدة الحكم فقط والبقاء فيها. كما أن تبنيهم شعارات مثل الديمقراطية وحرية الرأي وحقوق الإنسان جاءت لإرضاء الغرب المتخوف من مشاركتهم في الحكم. وأن أهدافهم الحقيقية مبنية بالأساس وفق معتقدات عليا ليس لها علاقة بالواقع . وللتغطية على أهدافهم الحقيقية طور الإسلام السياسي خاصة الإخوان المسلمين في مصر مصطلح "المصلحة" ومنحه بعدا شرعيا ودينيا لمواجهة الواقع .   

وإضافة لذلك، وصفت إسرائيل هذه التيارات بأنها تعاني من الحيرة بسبب اعتمادها على الشعارات مثل شعار "الإسلام هو الحل" الذي لم يرافقه أي برنامج عمل. ونفس الوضع ينطبق على مستقبل نظام الحكم الذي يرغبون بقيامه في الدول التي فازوا فيها، حيث يعانون من حيرة في النموذج الأفضل لهم، وهل سيكون تركيا أم إيرانيا، أم عربيا إسلاميا.(يتبع)

Developed by MONGID | Software House