تابعونا
النزاهة من اسمى المبادئ التي يتوجب على كل عسكري الالتزام بها تحقيقاً للمصلحة العامة للدولة الفلسطينية، لتكون فوق أي مصلحة شخصية بما يقتضيه ذلك من الامتناع عن استخدام الصلاحيات الممنوحة للعسكري،من اجل تحقيق مصالح شخصية
الرئيسة/  دراسات

ظاهرة التعدد الفكري ومأزق التطرف..... اعداد عميد / منذر المحتسب

2018-03-12

ظاهرة التعدد الفكري ومأزق التطرف

(الحلقة الأولى)                                                                                                        بقلم العميد منذر المحتسب

 جمعت الشعوب علاقات متبادلة إما  بتعايش وتناسب وزيارات وتبادل في تجارتها وصناعاتها وزراعتها من جهة ،أو نزاعاتها وغزواتها من جهة أخرى  ، وجميعها شكلت أوجها لسمات علاقات البشر بعضهم ببعض بانسياب عشوائي أو منظم أخذ يتحول ببطء من حالتها تلك إلى سمات تجمعات أخذت بالتطور إلى أشكال حسب الروابط الاقتصادية أو المصالح الجيوسياسية ، منها :  الدولة ذات الحدود المحمية  ، الدول الفقيرة التابعة لدول اكبر منها  ، والمجموعات القبلية المتناثرة بمسميات مختلفة بين مجموعة بشرية وأخرى، حتى نشأت الأديان والمفاهيم الفكرية المغلقة أو المفتوحة بقدر ما لها من علاقات وتنقل واتصالات أو هجرات.

التجمعات البشرية المختلفة التي واجهت ظروفاً مختلفة - طبيعية أو مصطنعة- (من فعل البشر) ،تطورت في علاقاتها وتنقلها بقصد العيش الأفضل والبحث عن الفرص أوجدت تناغما وتفاعلا في تحريك علاقاتها واتصالاتها بحسب مصالحها وبما يدر عليها من منافع اقتصادية واجتماعية تتولد بفعل الطبيعة البشرية، ولذلك كانت اتجاهات البشر تتطور حسب ما يحدث بينها من تبادل أو تعاون أو بالمقابل من نزاع على أرض أو ثروة، ومع التطورات الكثيرة التي نشأت في حركة التاريخ ولدت الدول وبعدها المحاور والتحالفات والحركات والأحزاب والميليشيا بالتوازي مع ولادة الإقطاعيات المختلفة والتي تطورت إلى الرأسمالية، وتنامت القوى والحركات الدينية وغير الدينية ترافقاً مع مستجدات العصور المتعددة الأوجه.

المشكلة

 برزت في القرن الماضي  تيارات فكرية متعددة خرجت من بيئات ثقافية واقتصادية واجتماعية ووفق مصالح دول أو مجموعة  دول ألقت بظلال تأثيراتها على مجموعات بشرية إما مثقفة أو عبر أزمة اجتماعية أو اقتصادية ما مثل انضمام الفئات الفقيرة أو العمالية للشيوعية في مواجهة الإقطاعيات والرأسمالية، ولم ينته التسابق الفكري عند حد التباين النقي بل تعداه إلى حدود جعلت من الفكر ألعوبة بعض المهووسين بحب الشهرة والزعامة وأصبح الفكر عرضة للتجارة وتشويه صورة العقلية البشرية التي من الطبيعي أن تبدع في فكرها على طريق سباق الحضارات.

التناحر الفكري أو انقسامات تولدت بناءا على معتقدات واهمة لدى البعض أن الإمساك بشعارات مفتعلة مثلا بين سنة وشيعة وتعدتها الى مزيد من الانقسامات التي تخدم جهات خارجية، والمؤسف أن هناك جهات مجهولة دعمت هذا الانقسام استخبارياً عبر أدوات أخذت شرعية معينة مما أعطى لها فرصة بث سموم الانقسام المذهبي الذي لا داعي له. وانتشرت بين هذه الاختلافات آراء بعض الفاشلين والعاجزين  بترويج تطرفهم على أنهم المنقذ للبشر وما القاعدة وداعش والنصرة وغيرها الكثير من المسميات الجوفاء إلا تعبير واضح عن هذا الاتجاه، فهم من نشروا الافكار التكفيرية بتفسيرات سطحية تضليلية بدلا من ترسيخ الدين كمرجع أخلاقي، وبوجودهم  اصبح أي زعيم لمجموعة من البائسين وليا الامر أو اماما آمرا يحكم بما يريد سواء كان عالما ام لا، إن أدعياء العلم والفتوى انتشروا في كل مكان وهم ليسوا جديرين بذلك، واصبحوا مروجين لأفكار متطرفة تثير ردود افعال توازي تطرفهم، ليس أٌقل منها تشوه صورة الدين الذي يدينون به أو المجتمع الذي اليه ينتمون، رغم أنه اصبح شائعا بين الشعوب والدول ان التطرف والارهاب لا دبن لهما.

كما أن التطرف لم يكن ليستشري لو لم تكن هناك أفعال شنعاء مثل استفزاز المجتمع الاسلامي،  إذ لم يكن هناك مجالا لبعضهم لأن يتجرأ على الاساءة لرسول الله (ص) لولا بيئة حاضنة لمثل هؤلاء، وبالتالي وجد بالنتيجة من ينجر من الضعفاء لهذا الخرق الاخلاقي، بمعنى ولادة تطرف مضاد او مواز لهذا التطرف.

الهدف

بعد أن اندلعت موجات انحراف فكري متسلط وعنصري بأبعاد عرقية احيانا وابعادا دينية أحيانا أخرى، حيث أتاحت ظروف دولية واقليمية الى تنامي مظاهر الانحراف الفكري في بيئات مختلفة ساعد على انتشاره الفراغ الفكري والجهل بالقيم الدينية الأصيلة، فأصبحت مظاهر التطرف الفكري تشكل انحرافا أعمى، ولدى انبعاثها  تولدت أقطاب جديدة في العالم وأهمها الأقطاب السياسية الكبرى والاقتصادية وتحالفات المصالح.

 تهدف الدراسة إلى استعراض المسببات والبيئات الخصبة للانحراف الفكري وتهدف الى تبيان دوافع التطرف أو الاسباب في تكونه  ومدى تقصير العديد من الجهات الدولية ومجالس المرجعيات الدينية في توضيح صورة الدين كباعث على الابداع الفكري الخلاق.

  العنصرية واحة الانحرافات الفكرية

عاشت الأمم في عهود مختلفة ظواهر كانت قد أخذت سمة التلون والتعددية في الآراء والمذاهب والتيارات في معتقداتها وآراءها، وقد كانت هذه التعدديات في الأفكار- وان لم تكن تسمى التعددية - كانت سمة بارزة  أحيانا ومبطنة أحيانا أخرى تحولت الى عنصرية عند بعض الرجعيين، وقد كان التباين ينشأ نتيجة انطلاق بعض المثقفين والنخب العلمية في إصدار كتاباتهم أو إنشاء أحزاب سياسية أو جماعات متعددة الألوان والمشارب، أو نتيجة أزمة تنشأ على رأي معلن أو حدث صارخ حصل في ظل تطور تاريخي حساس كالمواقف المتبادلة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي حينها عندما انقسم العالم بدوله وأحزابه بين مؤيد ومعارض لإحدى الدولتين العظميين، بعد انتهاء التنافس بين الدولتين بانهيار إحداهما وأصبح الفكر السياسي يمتزج بالسطوة بين دول وليس فكرا ثقافيا هادفا بمعنى ثورة فكرية تحدث التغيير المطلوب وتخدم الملايين من البشر بقدر ما تخدم فئة معينة لها تطلعات ذاتية محصورة في الفردية.

إن وجود العنصرية  والعصبية اصبح بكل ما للكلمة من معنى أرضية صالحة لنمو التطرف والتلوث الفكري لأفراد جنحت بهم افكارهم الذاتية الى الاعتماد على مفاهيم معاكسة للمألوف من معتقدات وأديان، فلا بد من وجود ظواهر للعنصرية والتحلل الفكري من القيم حتى ينمو فيها تحول عن الرأي المجمع عليه، وعند وجود الانقسام العرقي تتدحرج المفاهيم الهدامة ، وخاصة أن العنصرية والتبعثر الطائفي تفضي الى نتائج منها وجود جماعات او عصابات تربك المجتمع بما تطرح وتسلك، حيث يتحول السلوك الى عدواني أو إرهابي للآخر الذي لا يشاطرهم رأيهم وبالتالي قمع الحريات.

الحدث البارز في وجود العنصرية هو أنه لا يزال الشعب الفلسطيني الأعزل يتعرض لعنصرية الاحتلال في إقامة مستوطنات غير شرعية لمستوطنين يتسمون بأقصى أشكال  العنصرية والتطرف، استنادا إلى سلوك تاريخي لمنظري الصهيونية وما انبثق عنها من عنصرية في حكومات وأحزاب يمينية تسمي نفسها يهودية خرج منها عصابات إرهابية متطرفة وعدوانية انتهجت تطهيرا العرقي الفردي والجماعي ضد الشعب الفلسطيني في كل تجمعاته وتحديدا في القدس عاصمة فلسطين العتيدة

التطرف الفكري وانعكاساته

  مع زيادة هذه التيارات انتشرت حلقات النقاش والتحليل الاعلامي حول الانجراف إلى  تيارات فكرية مغلقة أو تيارات متطرفة كالقاعدة وغيرها، وظاهرة توظيف بعض هذه الحركات والاحزاب الدينية وغير الدينية في اتجاهات مغايرة للمطلوب منها، بإنتاج فكري منحرف عن الصياغة العامة الدارجة  للفكر المعاصر، وتم ايجاد مساحات إعلامية لفضائيات أو صفحات اليكترونية لترويج مظاهر التناحر الفكري المذهبي والطائفي والفئوي، مما زاد في سرعة انتشار بعضها وكأنه مقصود في مخططات من أسسوا لهذه الفضائيات، كل ذلك من جانب ومن جانب آخر ما جري في مراكز القرار للقوى العالمية الكبرى التي استمرت في استعمارها للنفوس والاقتصاديات المحلية حتى تبسط سيطرتها عل مقدرات الشعوب، وحتى على بعض القوى العربية والإسلامية  والتي استحكمت فيها مفاهيم متشعبة تنهار أحيانا وتتولد بمسميات أخرى جديدة احيانا أخرى تتناغم مع جو سياسي واقتصادي جديد مثل العولمة والخصخصة التي أتيحت فقط لتعزيز الاقتصاديات الكبرى وإضعاف فئات فقيرة أصلا، وفي ظل هذا التنافس السياسي والاقتصادي بين الدول التجارية والصناعية، تحدث أقطاب السياسة الأمريكان عن الحاجة الى وضع جديد (شرق أوسط جديد ) مكن دولا عديدة من اللعب في مصير شعوب تلك المنطقة.

وقد برز مفهوم الإسلام السياسي في تنافس بين الإخوان المسلمين والاحزاب الدينية الأخرى وكذلك بين الحركات الوطنية التي تقلدت الحكم في عدة دول عربية، وقد كان في بعضها شخوص قيادية  التحقت بهذه الحركات بتأثير ما حملت من شعارات، كما أنه عدا عن تعدد الفرق والأحزاب الإسلامية فإنها أيضا لم تتفق فيما بينها بل اختلفت وتصارعت إلى حد العنف والفتن، وما يتم الحديث فيه عن تبعية أو تناقض لبعض الأحزاب فيما بينها لا يعني التشكيك في صدق بعض قياداتها وعناصرها ويمكن تصنيفهم بالمنبهرين والمخدعين بسمو الفكرة،  وبوجود الإسلام السياسي وجدت وأوجدت بعض الجماعات المتطرفة التي جاءت بشعارات فكرية مغلقة ورجعية وتحولت الى أدوات تقوم على مصالح خاصة ومسح الآخر وليس فقط التغلب عليه في كل ميدان، أو انها قامت  - بعلم منها او بدونه- نتيجة مخططات استخبارية لدول كبرى رغبة منها تنفيذ سياسات تخلق تناحرات عبر بعض الجماعات حيث عملت بوسائل مبطنة على:

1-    الترويج لفكرة براقة الهدف منه تحشيد فئات للانضمام الى حاملي هذه الفكرة.

2-    بسط نفوذ جماعة معينة سعيا لشهوة السيطرة والتملك.

3-    خلق انقسامات دينية: طائفية وفئوية مذهبية حتى انقسامات ثقافية واجتماعية بين المجتمعات العربية والاسلامية تحولت في أغلبها الى تناحرات.

4-    العمل تحت شعارات براقة مثل  إقامة دولة أو خلافة إسلامية تبين على أرض الواقع زيف هذه الشعارات.

5-    خلق حالة من العداء بسلوكيات بشعة  لبعض الجماعات طالت أحيانا من هيبة الدين الإسلامي نسبيا.

6-    خلق الانقسام الأخلاقي بين الشعوب التي تتوحد على رؤيا إنسانية موحدة تجلب النفع للإنسان.

7-    تجميع الفئات الضعيفة دينيا أو ثقافيا في بوتقات مغلقة يتم اللعب بها في عملية استعراض وهمية لسطوة "روحية".

8-    السعي للوصول الى الحكم بأي ثمن كما حصل بما عرف الربيع العربي الذي أوجد  الفوضى والفئوية أدت الى تراجع البلاد التي حصل فيها وتدمير مقدراتها.

9-    التسبب في ايجاد خلط ذهني وفكري بين الفئات الشبابية حول جدوى التحول الفكري وانبعاثاته المستمرة دون وضوح الهدف والرؤى لتغدو في حالة تشتت وتتحول الى مسارات سلبية.

ويمكن من وجهة تحليلية الادراك لمدى متقدم أن أوجه الشبه في نتائج التطبيق على الأرض ما بين الحركة الصهيونية الاحتلالية بعدوانها المستمر على الحقوق الفلسطينية العربية وما بين نتائج سلوك القاعدة وداعش وأشباهها العدوانية على المجتمع العربي والاسلامي وانعكاسها السيء على القضية الفلسطينية عندما تم اشعال المنطقة العربية بالتدمير البنيوي الممنهج لبلدان المنطقة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا بأشكال دخيلة تنبعث فيها كل أشكال الفتنة والتقسيم الطائفي والمذهبي والديني وارساء عناصر الفوضى محدثة آثارا بعيدة المدى لا تقوم للحضارة والتطور والتنمية أي قائمة.  (يتبع)

Developed by MONGID | Software House